تقرير ألماني: الانتفاضة على القذافي كانت بداية الخلاف الكبير بين باريس وبرلين

كشف تقرير ألماني، ما يتعرض له “المحرك الفرنسي الألماني”، بشكل متواصل من اختبار مرير في شمال أفريقيا، إذ ما فتئت أزمة تخمد حتى تشتعل نيران أخرى، ومعها يتصاعد دخان المحرك دون أن يتجاوز العَقبات.

وأوضحت شبكة “دويتشه فيله” الألمانية، في تقريرها، أن المؤشرات في هذا “المحرك” ظهرت في السنوات الأخيرة تباعا على محك “الربيع العربي” وبلغت حدّتها في الأزمة الليبية ومعضلة اللاجئين، ثم في نزاع تركيا واليونان في شرق المتوسط وصولا إلى تحديات الأمن في منطقة الساحل والصحراء وتداعياتها مع الهجوم على عاصمة تشاد الشهر الماضي من قِبل متمردين قادمين من ليبيا.

ولفتت أن الخلاف في ليبيا ظهر كبيرا بين باريس وبرلين، منذ بدايات الانتفاضة على العقيد معمر القذافي، عندما تزعمت فرنسا في عهد الرئيس الأسبق، نيكولا ساركوزي، هجوم قوات حلف الناتو، بينما نأت ألمانيا بنفسها عن أي تدخل عسكري في البلاد.

وتابعت: “عندما تعمقت الأزمة الليبية وتحولت إلى حرب أهلية بقيت برلين على خط التمسك بمسار الأمم المتحدة لتسوية الأزمة عبر الحوار بين الفرقاء الليبيين، في حين انخرطت فرنسا بقيادة ماكرون في الصراع المسلح ودعمت خليفة حفتر قبل أن تتخلى عنه في وقت لاحق”.

واعتبرت شبكة “دويتشه فيله” معاهدة آخن، التى تم توقيعها في الثاني والعشرين من يناير عام 2019، بين المستشارة أنجيلا ميركل والرئيس إيمانويل ماكرون جاءت لتعطي جرعة للتنسيق الألماني الفرنسي والأوروبي بشكل عام، لافته أن هذا ظهر واضحاً عندما لاحت بوادر تقارب بين الشركاء الأوروبيين (فرنسا وألمانيا وإيطاليا) حول الأزمة الليبية عندما استضافت برلين في يناير 2020 مؤتمر ليبيا.

وأشارت أنه على الرغم من أن بوادر هذا التقارب لم تمض بضعة أشهر حتى كشفت الأحداث أن الصراعات في جنوب البحر الأبيض المتوسط وشرقه تجاوزت الأوروبيين، وباتت القوى المؤثرة فيها مثل تركيا وروسيا تتحداهم في قضايا مصيرية بالنسبة لأمن أوروبا.

وأضافت أنه في الوقت الذي كان منتظرا أن تشهد السياسة الأمنية الأوروبية مزيدا من التضامن وبناء قوة جديدة لها، ظهرت الخلافات الألمانية الفرنسية داخل مؤسسات حلف الناتو بشأن التعامل مع تركيا في الأزمة الليبية وفي نزاعها مع اليونان.

وتطرقت إلى دراسة حديثة لمؤسسة العلوم والسياسة البرلينية المرموقة والمعهد الألماني للعلاقات الدولية والأمن، حيث وصفت فيها الدكتورة رونيا كمبين كبيرة الباحثين في فريق الدراسة، سياسة الرئيس ماكرون الخارجية في ليبيا بـ”الأحادية” و”المخرّبة” وبأن سياسته الدفاعية والأمنية تتسم بـ”البراغماتية وطموحة إلى حد التدمير”.

ومن وجهة نظر “دويتشه فيله” تكشف الأحداث والأزمات المتعاقبة بأن الرؤية الاستراتيجية المشتركة التي تمت بلورتها في وثيقة “معاهدة آخن”، لم تفرز في وقت لاحق مخرجات على مستوى سياسات البلدين الأمنية والخارجية تطابق مصالحهما، مما رجّح منطق المصالح الوطنية على حساب الرؤية المشتركة الثنائية ناهيك عن الأوروبية.

واستطردت: “فبعد أقل من عام على الانقلاب الذي حصل في مالي، كشفت الأحداث الأخيرة في تشاد، كيف تحول دور قوات مرتزقة تشادية كانت تقاتل إلى جانب حفتر حليف فرنسا بالأمس، إلى خنجر في ظهر فرنسا بمنطقة نفوذ تقليدية، وذلك بدعم من روسيا، لتجد فرنسا نفسها كقوة أوروبية معزولة في ظل غياب غطاء أمني أو عسكري أوروبي.

واختتمت بأنه لا يكفي أن تتفق ألمانيا وفرنسا وحتى بدعم من باقي الشركاء الأوروبيين على أهمية الأمن والاستقرار في منطقة الساحل والصحراء في مواجهة الهجرة غير الشرعية والمشاكل الأمنية، مشيره أن التطورات المتسارعة والمتغيرات الجديدة في ميزان القوى العالمية والمنافسة على القارة الأفريقية، تكشف حجم التعقيدات والصعوبات أمام الأوروبيين، وكيف تزداد حدتها مع تراجع الدور الأمريكي وتغيير أولوياته الاستراتيجية في العالم.

—————

ليبيا برس