موقع أمريكي: أنقرة كانت انتقائية في اختيار الميليشيات الليبية التي تزودها بالأسلحة أو تشارك المرتزقة فيها
أفاد تقرير صحفي أمريكي بأن أنقرة تدخلت في ليبيا لتأمين مصالحها الاقتصادية والجيوسياسية، وليس من أجل تحقيق أمن ليبيا نفسها، مستدركًا بأنه من مصلحة تركيا المساعدة في استقرار ليبيا بشكل دائم ودعم الانتخابات المقررة في 24 ديسمبر المقبل.
وقال موقع “وور أون ذا روك” الأمريكي: “بعد عشر سنوات من الثورة الليبية، أدى انتشار العناصر المسلحة وتعاقب الحكومات المتصلبة إلى إلحاق الضرر بأمن البلاد، بالإضافة إلى الجريمة المُنظمة والحدود المليئة بالثغرات والرقابة السيئة، وباتت البلاد مركزًا رئيسيًا لتهريب الأسلحة والمخدرات والأشخاص”.
ولفت إلى أن تركيا تدخلت رسميًا في ليبيا في يناير 2020، من خلال مساعدة حكومة الوفاق المنتهية ولايتها على صد هجوم خليفة حفتر على طرابلس، والذي أنهى 16 شهرًا من القتال العلني، وتسعى الآن، أنقرة من ترسيخ تواجدها العسكري في غرب ليبيا، لتجعل من نفسها لاعبًا رئيسيًا في قطاع الأمن في البلاد.
وأكد التقرير أن أنقرة تدخلت في ليبيا لتأمين مصالحها الاقتصادية والجيوسياسية، وليس لتحقيق الأمن لليبيا نفسها، لكن مع شروع ليبيا في عملية سياسية جديدة، قد تضطر أنقرة إلى الانخراط في إصلاح ذي مغزى لقطاع الأمن لتحقيق أهدافها الخاصة، وأن تتبني استراتيجية أمنية شاملة تعطي الأولوية للمؤسسات الحكومية على العلاقات الشخصية والقوات الخاصة وأنه سيفيد في النهاية كل من تركيا والمواطنين الليبيين العاديين.
وتطرق التقرير إلى أن تركيا شاركت في ليبيا بطرق مختلفة منذ عهد العقيد معمر القذافي وبشكل أكبر منذ ثورة 2011 في البلاد، لكن جذور المساعدة الأمنية التركية الحالية لليبيا تعود إلى عام 2019، ففي ذلك العام، كانت حكومة الوفاق المنتهية ولايتها تواجه هجومًا عسكريًا شنته القوات المنافسة لخليفة حفتر، في ظل غياب الدعم الدولي، ووقعت مذكرتي تفاهم ثنائيتين مع أنقرة، فكانت المذكرة الأولى بشأن الترسيم البحري تهدف إلى السماح لتركيا بإعادة ترسيم الحدود البحرية والمطالبة بمنطقة اقتصادية خالصة موسعة في شرق البحر الأبيض المتوسط، وفي المقابل، خلقت الاتفاقية الثانية بشأن التعاون العسكري الإطار القانوني لتدخل تركيا في ليبيا عسكريا.
وأوضح أنه نتيجة لذلك، كانت المرحلة الأولى من المساعدة الأمنية التركية في ليبيا موجهة نحو تحقيق هدف عسكري محدد، وصد هجوم حفتر، وفي هذه المرحلة الأولية، لم تكن هناك مرحلة نهائية مؤسسية استراتيجية لتركيا بخلاف ضمان بقاء حكومة الوفاق، والتي من شأنها تأمين اتفاقية تركيا البحرية جنبًا إلى جنب مع مجموعة من المصالح الاقتصادية، وصعدت تركيا من تدخلها العسكري في ليبيا في سياق نزاع مسلح دولي.
وأكدت أن هذا يتطلب من تركيا درجة من الاستقلالية الاستراتيجية، حيث نشرت تركيا بسرعة جنودها إلى جانب المعدات الجوية والأرضية في بيئة حضرية لتعويض المزايا المادية لقوات حفتر، حيث كان الأخير مدعومًا بالفعل من قبل المرتزقة الروس وأنظمة الدفاع الجوي الروسية جنبًا إلى جنب مع الطائرات الصينية بدون طيار، التي زودته بها الإمارات والغارات الجوية الإماراتية العرضية، وفي مواجهة الانكماش الاقتصادي المحلي الخاص بها، كان على أنقرة التغلب على التحديات اللوجستية والتقنية المرتبطة بالتدخل في بلد بعيد يقع على بعد أكثر من 2000 كيلومتر من حدودها بتكلفة مستدامة.
وتابع بأنه على عكس الإمارات أو مصر، لم تتمكن أنقرة من نقل الأسلحة إلى حلفائها المحليين عن طريق البر، علاوة على ذلك، فإن بُعد القواعد الجوية العسكرية في غرب ليبيا وانعدام أمنها قد حد أيضًا من قدرتها على نشر مقاتلات نفاثة أو طائرات هليكوبتر مأهولة، للتغلب على كل من هذه العقبات الاقتصادية واللوجستية، حيث ضاعفت تركيا من استخدامها للطائرات بدون طيار من طراز “تي بي 2” التركية، جنبًا إلى جنب مع أنظمة الدفاع الجوي والمركبات المدرعة وأنظمة الحرب الإلكترونية والأسلحة المضادة للطائرات والمرتزقة السوريين والتركمان المعلن عنها كثيرًا.
إلى جانب كل هذا، يلفت التقرير إلى أنقرة نشرت أيضًا مستشارين عسكريين في قواعد ومنشآت محددة، بالإضافة إلى نشر الطائرات التركية بدون طيار، تم تكليف هؤلاء الضباط بتدريب الأفراد الليبيين، وخاصة ميكانيكا الطيران الشباب وبعض المهندسين الأكبر سنًا في عهد العقيد معمر القذافي، لتشغيلها، وتمت إدارة بناء القدرات هذا لمجموعة مختارة من المتدربين في غرف التحكم الليبية المحلية في طرابلس ومصراتة.
وأجرى الموقع مقابلات حول هذا الأمر، الذي أظهر أن تركيا وصلت إلى المرحلة الأخيرة من بناء القدرات التطبيقية بعد دورة تدريبية سريعة مدتها ثلاثة أشهر تلقتها مجموعات صغيرة من مهندسي الطيران الليبيين في تركيا نفسها، وهذا الجهد التدريبي المستمر له آثار بعيدة المدى، حيث أدى تدخل تركيا إلى خلق مستوى متزايد من المعرفة المحلية المتعلقة بالاستخدام الفعال للطائرات بدون طيار.
ولفت التقرير، إلى أن السرعة التي احتاجت إليها أنقرة لتفعيل تدخلها فرضت اعتمادًا مفرطًا على الشبكات الشخصية في عملية صنع القرار والنشر، حيث كانت حكومة الوفاق هي وسيلتها لتوقيع الاتفاقيات والحفاظ على شرعية لتدخلها، لكن الجهد العسكري ركز على قادة الميليشيات المحلية وكذلك النخب السياسية أو الاقتصادية في بعض الأحيان، وكانت أنقرة انتقائية في أي الجماعات المحلية ستزودها بالأسلحة أو تشارك المرتزقة فيها.
وأوضح أنه كان لدى أنقرة مجموعة متنوعة من الشبكات في ليبيا، وتم بناء بعضها من خلال روابط تجارية في القطاع الخاص، بينما اعتمد البعض الآخر على القرب الأيديولوجي، حيث تم بناء علاقات تركيا مع أعضاء جماعة الإخوان المسلمين وغيرهم من الإسلاميين جزئيًا في فترة التعاون التركي القطري الذي حدث بين عامي 2011 و 2014.
وأضاف: “خلال الثورة، قدمت الدوحة الدعم المالي والعسكري والدبلوماسي للجماعات الثورية والإسلامية من خلال شخصيات مثل مثل رجل الدين علي الصلابي والأمير السابق للجماعة الإسلامية المقاتلة في ليبيا عبد الحكيم بلحاج، ولكن مع انحسار بصمة السياسة الخارجية للدوحة بعد عام 2014، تحول مركز هذه الشبكة الإسلامية تدريجيًا إلى تركيا، التي أصبحت أيضًا ملاذًا للمنفيين السياسيين ورجال الأعمال وغيرهم من رواد الأعمال الذين تم تهميشهم من قبل صناع القرار في طرابلس أو النازحين من شرق ليبيا”.
وأكد التقرير أنه بطبيعة الحال، مع تصعيد أنقرة لمشاركتها، وطورت أيضًا علاقات أكثر رسمية مع شخصيات داخل حكومة الوفاق نفسها، وكل هذه الشبكات كانت لها صلات منفصلة مع الفصائل والجماعات المسلحة على الأرض، وبينما كانت تتعاون مع تركيا، كانت تتنافس أيضًا على دعمها، وباختصار، تم تشكيل المساعدة الأمنية لأنقرة لاستيعاب التشرذم، وعدم الرسمية، والتهجين في قطاع الأمن الليبي.
وأشار إلى أنه بعد صد هجوم حفتر بنجاح، بدأت المرحلة الثانية من المساعدة الأمنية لأنقرة، وفي هذه المرحلة، وهي أقرب إلى المساعدة الأمنية التقليدية، وسعت أنقرة إلى تأمين وجودها العسكري في ليبيا وترسيخ نفسها كوسيط قوة، وزادت أنقرة بشكل كبير من نقل المعدات العسكرية إلى غرب ليبيا، كما أمنت وجودًا في عدة قواعد عسكرية في ضواحي طرابلس، مبنية على بصمتها العسكرية الموجودة مسبقًا في مصراتة، وأقامت وجودًا عسكريًا في ميناء الخمس.
ولفتت إلى أن هذه المرحلة شهدت أيضًا مشاركة أنقرة بشكل أكبر على مستوى بناء القدرات، وتم تدريب عدة دفعات من المقاتلين الذين خدموا تحت راية حكومة الوفاق من قبل تركيا بهدف الاندماج في وزارة الدفاع التابعة لها، وتم إجراء بعض التدريبات الأساسية للمشاة في ليبيا، بينما تم إرسال الطلاب أيضًا للتدريب في تركيا، وكانت هذه الخطة إلى حد كبير نتيجة ثانوية للتقارب الشخصي بين وزير الدفاع في حكومة الوفاق صلاح الدين النمروش ومؤسسة الدفاع في أنقرة.
ولفتت إلى أنه يظهر مرة أخرى كيف اعتمدت المساعدة الأمنية في كثير من الأحيان على العلاقات الشخصية، وكانت تركيا قد شاركت في جهود سابقة متعددة الأطراف لدعم المؤسسات الأمنية الليبية، مثل خطة الناتو لعام 2013 لتدريب ”قوة الأغراض العامة” الليبية قوامها 20 ألف فرد، لكنها فشلت إلى حد كبير، بسبب الحد الأدنى من الالتزام الدولي، والاستقطاب الليبي المحلي، واندفاع الجماعات المسلحة المحلية للعودة إلى الولاءات الإقليمية، ومن خلال اختيار المساعدة الأمنية الثنائية المباشرة في سياق يمكن أن تمارس فيه تأثيرًا رسميًا وغير رسمي على الفصائل الليبية، وإذا لزم الأمر، تقليل التوترات بينها، وكانت أنقرة تعتزم التحايل على التحديات التي ابتليت بها الجهود السابقة لإعادة بناء قطاع الأمن الليبي.
وأكد التقرير أنه على الرغم من تسويق أنقرة لها كشكل من أشكال إصلاح قطاع الأمن، فشلت هذه المرحلة الثانية من المساعدة الأمنية في تغيير المشهد الأمني بشكل أساسي في غرب ليبيا، ووضعت المساعدة الأمنية التركية مزيدًا من التركيز على “برمجة التدريب والتجهيز”، وكان هناك القليل من التركيز على تحسين توفير الأمن أو الإدارة أو الإشراف، وقد يعكس هذا الخلافات الليبية حول شكل الهياكل العسكرية الليبية، لكنه كان أيضًا نتاجًا لعلاقات تركيا الحالية مع النخب والميليشيات المحلية، حيث أدت العلاقات مع هذه الجماعات، التي غالبًا ما تقاتل بعضها البعض، إلى تقييد قدرة أنقرة على الانتقال إلى العمل مع قوى ومؤسسات أكثر رسمية، مثل وزارتي الداخلية والدفاع، كما يعد إصلاح قطاع الأمن الليبي عملية طويلة الأمد لبناء الدولة تتطلب استبدال التهجين بجهاز دفاع أكثر رسمية، ولسوء الحظ، فإن أصول وطبيعة تدخل أنقرة ستجعل من الصعب تحقيق هذا الإصلاح.
وتطرقت إلى أنه تداخلت المرحلة الثانية من المساعدة الأمنية التركية مع إطلاق منتدى الحوار السياسي الليبي، الذي يبني على وقف إطلاق النار الرسمي في أكتوبر 2020، وقد أدى هذا إلى تغيير حسابات أنقرة ودفعها إلى البدء في محاولة تحويل ثقلها العسكري إلى رأس مال سياسي، كما أن العلاقات الشخصية لأنقرة تركتها عرضة للتعديل السياسي حيث يمكن استبدال شركائها، وعلى الجانب الليبي، فإن العديد من النخب التي تنافست في البداية للحصول على دعم أنقرة تنأى بنفسها الآن علنًا لتعظيم آفاقها السياسية.
واستدرك التقرير بأن أنقرة مع ذلك تظل ملتزمة بالعملية السياسية الجديدة، وهي تدرك أن التصعيد العسكري سيعرض فرصتها للمناورة الدبلوماسية للخطر، ويقوض التقارب الحالي مع القاهرة، خاصة وأن هناك أيضا عنصر مالي، حيث سيسمح نجاح منتدى الحوار السياسي الليبي لحكومة الوحدة الوطنية القادمة بالوصول إلى عائدات النفط المجمدة حاليًا في البلاد، مما يمنح تركيا والنخب الليبية المحلية حافزًا لدعمها.
ولفتت إلى أنه في هذا السياق الجديد، بدأت أنقرة في إعطاء الأولوية لنهاية اللعبة الجيواقتصادية والسياسية، وكان أحد أكثر التهديدات المباشرة التي رأتها أنقرة في استيلاء حفتر على طرابلس انتكاسة كبيرة في نزاعها الأوسع مع الإمارات العربية المتحدة، ومع ذلك، فإن هذا المنطق الإيديولوجي الإسلامي الذي طالما تم التأكيد عليه لتدخل أنقرة في ليبيا لا يفسر تمامًا مناوراتها منذ ديسمبر 2019، حيث سعت أنقرة إلى استخدام اتفاقها البحري مع ليبيا لانتزاع تنازلات في نزاعاتها طويلة الأمد مع قبرص واليونان، وشهدت أيضًا حوافز اقتصادية في استعادة عقود البنية التحتية في عهد العقيد معمر القذافي والفوز بعقود جديدة، مثل إعادة تأهيل شبكة الكهرباء في البلاد، وعلى نطاق أوسع، يعد تدخل تركيا في ليبيا جزءًا من استراتيجية أكبر لاستخدام شمال إفريقيا كنقطة دخول للمشاركة الاقتصادية مع منطقة الساحل وأفريقيا جنوب الصحراء.
وأكد أن هذا يعني أنه من الأفضل النظر إلى العلاقات الأمنية التركية والمساعدة من منظور الاقتصاد السياسي، وبعد كل شيء، تم تشكيل المرحلتين الأولى والثانية من المساعدة الأمنية لتركيا مع وضع اقتصاديات الدفاع في الاعتبار، حيث أعطت أنقرة الأولوية لفعالية التكلفة في الدفاع عن طرابلس من خلال طائراتها بدون طيار المنتجة محليًا، وسعت أنقرة أيضًا إلى تقليل أي رد فعل داخلي عن طريق نشر مرتزقة سوريين منخفضي التكلفة بدلاً من الجنود الأتراك، ولم تركز صراحةً على أمن ليبيا على المدى الطويل، بل ركزت بدلاً من ذلك على كيفية تأثير وجودها العسكري في تعزيز مصالحها الاقتصادية، وهذا جزئيًا سبب تضاعف أنقرة الآن من صحة الاتفاقيات العسكرية والبحرية، التي توسطت فيها في ظل حكومة الوفاق أثناء سعيها لتوقيع صفقات جديدة مربحة أيضًا، ووسط هذه الجهود، يبدو أن اهتمام أنقرة ببناء قدرات الجهات الأمنية المحلية قد انحسر.
وقالت إنه من وجهة نظر أنقرة، قد يكون هذا خطأ، ويتطلب تنفيذ العقود والمشاريع الكبيرة داخل ليبيا درجة من الاستقرار، علاوة على ذلك، فإن الوجود الأجنبي المطول الذي لا يحقق أي مكاسب أمنية لا بد أن يثير استعداء السكان المحليين، وبعبارة أخرى، حتى لتعزيز مصالحها الاقتصادية والجيوسياسية، ويجب على أنقرة أن تتبنى استراتيجية أمنية أكثر شمولية، ومن الواضح أن أنقرة تريد الحفاظ على وجودها العسكري وخيارات القوة الصلبة في ليبيا، لكن القيام بذلك دون تعزيز أمن الشعب الليبي سيؤدي ببساطة إلى نزع الشرعية عن دور تركيا.
وأتم بقوله “ستثبت المرحلة المقبلة من المرحلة الانتقالية في ليبيا أنها غير مستقرة بشكل متزايد بالنسبة لتركيا، لكي تضمن أنقرة مكاسبها الاقتصادية بشكل مستدام، وعليها أن تقاوم الفوائد قصيرة المدى لدعم الميليشيات والعمل مع النخب الفردية، وبدلاً من ذلك، يجب على أنقرة التغلب على أصول تدخلها والتركيز على دعم المؤسسات الليبية، وهذا يعني معالجة البيئة الأمنية المجزأة في البلاد من خلال تعزيز قدرة الدولة، وإذا استمرت تركيا في مسارها الحالي، فستستمر التحديات الأمنية في ليبيا، وسيتضاءل نفوذ أنقرة، بغض النظر عن مدى صعوبة محاولاتها لترسيخ نفسها في البلاد”.
———-
ليبيا برس