بعيو: لا توجد ميزانية بدون حكومة تعدّها وتدرسها وتحللها وتتحمل مسؤولية تحديدها

قال الرئيس السابق للمؤسسة الليبية للإعلام، محمد عمر بعيو، إن الميزانية هي المعنى الحقيقي لفساد وفشل الدولة المركزية الريعية.

وأضاف بعيو، في تدوينة عبر حسابه الشخصي على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” أنه “لا توجد ميزانية بدون حكومة تعدّها وتدرسها وتحللها وتبررها وتفسرها، وتتحمل مسؤولية تحديد وتدبير وجوه مواردها وأوجه إنفاقها، وتقدم التقارير الختامية عنها، ولا بدون قانون يصدر عن السلطة التشريعية، أو سلطة السيادة أياً يكن شكلها”.

وتابع بأنه “لا توجد ميزانية أيضًا بدون سلطات رقابية حقيقية شرعية، تعمل كمؤسسة ضمن الدولة وتحت القانون، وليس كوكر حزبي متآمر يضع نفسه فوق القانون وفوق الدولة، مثلما هو الحال والواقع الآن في ديوان الإخوان المغتصب من منتحل الصفة منعدم الولاية المتحدي للقانون والعدالة المدعو فُلان”.

وأشار بعيو أنه “منذ خمس سنوات لم تشهد ليبيا مناقشةً للميزانية، ولا إصدارًا لقانون الميزانية، ولا انعكاساً حقيقياً للإنفاق العام على الاقتصاد العام الكلّي والجزئي، الحكومي والشعبي، فقد استغنت عنها حكومة الوفاق ومجلسها الرئاسي بتلك البدعة المسماة الترتيبات المالية”، لافتًا إلى أن “لها أسبابها في ذلك التي أولها وآخرها الانقسام العمودي للسلطتين التشريعية والتنفيذية، والانقسام الأفقي للشعب وللمجتمع بسبب صراعات الحرب الأهلية”.

واستطرد بأن “هذا السبب لابد من الخوض فيه والمحاسبة عليه، مثل كل ارتكابات السلطات والحكومات منذ سنوات، فهذا الشعب ليس أبكماً وإن سكت، وليس أخرساً وإن صمت، وليس قاصراً وإن قصُر، وليس مجموع عبيد، وإن باعه واشتراه في أسواق النخاسة والخيانة من توهموا ذات غفلة من الزمن أنهم أسياد”.

وأوضح بعيو، أن “ما يناقش الآن وما كان يناقش ويصدر منذ سنوات طويلة تحت مسمى الميزانية، ليس ميزانية على الإطلاق، فلا ميزانية حقيقية لأية دولة تتمتع وإن بقليل من الرشد والعقل والحكمة والعِلم، دون وجود الموازنة العامة، التي قد تمتد لسنوات، ويعمل وفقاً لها الاقتصاد العام، فيتطور ويتوسع، ويتخلص بالعقل والعمل والاستقرار والقانون، من أمراضه وأزماته، وتتقدم به الدولة ويرتفع بها إلى حيث تريد أن تكون ومن حقها أن تكون”.

وضرب مثال على ذلك بقوله: “ولَكم أيها الليبيون في فيتنام وأقرب منها في رواندا ودول كثيرة أحدث من دولتكم وجودًا وأقل موارداً وأكثر عوائق بل ومصائب، النموذج والدرس في كيفية التخلص من الفقر والتخلف، وامتلاك ناصية الرخاء والتقدم”.

وأكمل “بأن الميزانية لازمة من لوازم الدولة، وسمة أساسية من سماتها، ووظيفة عليا للسيادة ممثلة في السلطة، مسؤولية منها وقد سيطرت على الموارد، أن تقدم للشعب من خلال الاقتصاد الفاعل المتوازن الخدمات المباشرة مَنحاً وتقديماً، وغير المباشرة تقنيناً وتنظيماً”، مشيراً أن “الميزانية في تعريفها العام المجرد هي التقديرات الفعلية لجميع النفقات المالية للدولة خلال العام، ولها كفّتان لتعتدل منطقاً وإن لم تتوازن فعلاً، هُما الإيرادات المقدّرة والمتوقعة، والنفقات المحددة والموضحة، وما ينتج عنهما من توازن أي تعادل، أو فائض، أو عجز”.

ولفت بعيو أن “الميزانية بالمفهوم الليبي هي كدس أموال تمتلكه السلطة وتستخدمه في إسكات وإذلال الشعب، ليس الآن فقط بل ربما منذ استقرار تصدير النفط وبداية الثراء الوهمي، ثم تحول الاقتصاد الوطني إلى النموذج الريعي المطلق الفاسد الفاشل، اعتباراً من سنة 1979، بتأميم كل النشاط الخاص وتحول السلطة المسماة الدولة إلى المشغل الوحيد، ومصدر المعيشة الوحيد”.

وتابع: “أي منذ أكثر من أربعة عقود حولت البلاد والعباد إلى موظفين لا ينتجون، معتمدين في كل شيء على الخزينة العامة، التي كثيراً ما كانت شبه خاوية وكثيراً جداً ما كانت مقفلة ومفاتيحها ضائعة، وصنعت ثقافة جديدة وجهاها اللعينان اتكالية وكسل ولا مبالاة الكثرة التعيسة المحكومة، وإجرام وفساد وسطوة القلة من المئات المحظوظين بكراسي السلطة والإدارة، ومن ورائها بضعة آلاف من الخدم والحشم والأتباع، تغيرت أسماؤهم وصفاتهم بين سبتمبر وفبراير، لكن بقيت أفعالهم وممارساتهم بل زادت همجية ووحشية، إلى درجة أن انقسم الليبيون نهائياً أو يكادون، بين أغنياء وفقراء، وتكاد تنعدم الطبقة الوسطى المستورة المأزورة التي هي الأساس للاستقرار والتنمية، وذلك ليس فذلكة كاتب يتلاعب بالكلمات، بل هو توصيف ناتج عن البيانات والمعلومات والحقائق والمعطيات”.

واختتم بقوله: “أعطوا الحكومة الميزانية أيها النواب إن شئتم لتعمل ولو قليلاً في ما تبقى لها من زمن قليل، أو أمسكوا الميزانية إن شئتم مادمتم لن تتأثروا في مرتباتكم ومزاياكم وإن قليلا. كفى.. فقد والله عجزت الأبجدية عن توصيف ووصف الكارثة الليبية في إحدى أكبر تجلياتها المسماة… الميزانية”.