مؤرخة إيطالية: فشل الحملة ‏العسكرية لحفتر على طرابلس‏ أجبر القاهرة على تقليص دعمها له والانفتاح على الحل السياسي

قالت أليسيا ملكانجي، أستاذ التاريخ المعاصر لشمال إفريقيا ‏والشرق الأوسط بجامعة سابينزا في روما، إن مصر أعادت ضبط ‏استراتيجيتها في ليبيا، بسبب تركيا.‏

وأوضحت ملكانجي في مقال نشره معهد المجلس الأطلسي الأمريكي، أنه ‏على الرغم من أن استئناف عملية السلام السياسي في ليبيا، أعاد ‏تركيز الانتباه على الجهات الفاعلة المحلية، إلا أنه لا يزال من ‏الضروري النظر في تحركات اللاعبين الخارجيين، لتقييم إمكانية ‏التهدئة الحقيقية بين الفصائل الليبية المتنافسة، وتعتبر القاهرة ‏هي إحدى العواصم الرئيسية التي يجب الانتباه إليها.‏

وأشارت إلى أنه كما هو معروف، بعد الانتخابات الرئاسية المصرية ‏عام 2014، قدم عبد الفتاح السيسي دعمه العسكري واللوجستي ‏والاستخباراتي الكامل إلى خليفة حفتر، معتبرًا إياه المرشح المثالي ‏لاستعادة الاستقرار في ليبيا، وحماية المصالح الاستراتيجية لمصر، ‏وتجنب التدخل المباشر والمكلف في البلاد، لكن فشل الحملة ‏العسكرية لحفتر في 2019-2020 عطّل الاستراتيجية المصرية، ‏وأجبر القاهرة على إعادة النظر في خططها، مما قلص دعمها لحفتر ‏مع الانفتاح على حل سياسي افتراضي.‏

وأكدت أن القاهرة استعادت العلاقات الدبلوماسية مؤخرًا مع ‏حكومة الوحدة المؤقتة في طرابلس، ما يبرهن بدقة محاولة ‏السيسي إعادة ضبط استراتيجيته، من أجل تجنب التصعيد ‏العسكري، الذي لا تستطيع الدولة تحمله، نظرًا لأن الحكومة ‏المصرية منخرطة بالفعل على عدة جبهات من التهديد الإرهابي في ‏شبه جزيرة سيناء إلى نزاع سد النهضة الإثيوبي. ‏

ولفتت إلى أنه موقف مصر جاء على عكس موقف الإمارات العربية ‏المتحدة، التي استمرت في دعم حفتر بلا هوادة، حتى أنه منذ ما لا ‏يقل عن شهر واحد، وفقًا لمصادر أوروبية، راهنت مصر على إعادة ‏إطلاق المسار الدبلوماسي، لتظهر على أنها اللاعب الأكثر طلبًا ‏للتسوية بين داعمي حفتر.‏

وقالت إن مصر تدرك جيدًا أن أمنها القومي، واستقرارها الداخلي ‏مرتبطان حتماً بأمنها الليبي، وهذا أحد الأسباب التي دفعت مصر ‏لإعلان خط أحمر، بشأن تقدم الميليشيات الغربية نحو حدودها ‏في يونيو 2020، وقبلت على الفور وقف إطلاق النار الذي اقترحته ‏حكومة الوفاق المنتهية ولايتها في أغسطس 2020، ودعمًا لجهود ‏بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا لاستئناف الحوار الوطني، بين ‏الأطراف المتنافسة، دعمت مصر وقف إطلاق النار الموقع في ‏جنيف في 23 أكتوبر 2020.‏

وأضافت بقولها إنه في الوقت الحالي، يبدو أن الحكومة المصرية ‏مستعدة لدعم السلطة التنفيذية الليبية الجديدة بقيادة رئيس ‏الوزراء عبد الحميد الدبيبة، كما يتضح من اقتراح إعادة فتح السفارة ‏المصرية في طرابلس، وكذلك من خلال توقيع العديد من مذكرات ‏التفاهم في القطاعات الأساسية، بما في ذلك الطاقة والاتصالات ‏والبنية التحتية والاستثمارات والنقل، خلال زيارة رئيس الوزراء ‏المصري للعاصمة الليبية في أبريل، ومهدت زيارة قام بها المبعوث ‏الأمريكي الخاص إلى ليبيا إلى القاهرة في مايو الطريق لمجالات ‏جديدة من التعاون بين مصر والولايات المتحدة في ليبيا.‏

وتطرقت إلى أنه من الواضح أن المحاور الاستراتيجية للقيادة ‏المصرية في ليبيا، ترتكز على أن تتكيف وتتطور، بما يتوافق مع ‏التطورات على الأرض مع مراعاة الآثار الإقليمية الأوسع، لاسيما ‏علاقاتها مع تركيا، والتي تدهورت نتيجة دعم أنقرة للإخوان ‏المسلمين، بعد ثورة 2011، وفي هذه المرحلة، يصبح من الضروري ‏لمصر أن تنأى بنفسها بحذر عن الاستراتيجية السعودية ‏والإماراتية، لتصور دور أكثر استقلالية وتيسيرًا للسلام في الملف ‏الليبي، وفي الوقت نفسه، من مصلحة القاهرة إبداء مزيد من ‏الاعتدال على المستوى الدولي لتجنب الصراعات المحتملة مع ‏الإدارة الأمريكية الجديدة.‏

وألمحت إلى أن الاعتدال ضروري على المستوى الإقليمي مع تركيا ‏لتقييم إمكانية التقارب المريح مع أنقرة، وضمن هذا السيناريو ‏الجديد، ويتمثل أحد ركائز إستراتيجية القاهرة في إصلاح قطاع ‏الأمن في ليبيا، وفي الواقع، لا يمكن فصل أي محاولة لتحقيق ‏الاستقرار في ليبيا عن وجود القوات المسلحة الوطنية الليبية ‏الموحدة، وتطهيرها من وجود الميليشيات والمقاتلين الأجانب، ‏وعدم الانصياع على التطلعات الشخصية لأي سياسي. ‏

في الوقت نفسه، لفتت إلى أنه يبدو أن القاهرة تكافح من أجل إيجاد ‏دور في القوات المسلحة المستقبلية، التي سيتم إنشاؤها من خلال ‏إصلاح قطاع الأمن، لحفتر ورجال دائرته، لأن تهميشه قد يؤدي إلى ‏تعزيز خطير للقوات المسلحة، علاوة على الجماعات المتحالفة مع ‏تركيا في ليبيا وتصاعد نفوذ ميليشيات طرابلس، لاسيما وأن ‏العملية السياسية الحالية لم تحدد معالمها بعد.‏

وتحدثت بقولها إن هناك أسباب عديدة لاستئناف الحوار ‏الدبلوماسي الرسمي بين القاهرة وأنقرة، حيث أنه خلال المحادثات ‏الثنائية رفيعة المستوى التي عقدت في القاهرة في الفترة من 5 إلى 6 ‏مايو، حدد الجانبان مجالات التعاون الرئيسية في المستقبل ‏القريب، والتي كان على رأسها ليبيا، والحاجة المشتركة لتحقيق قدر ‏أكبر من الاستقرار في منطقة شرق المتوسط.‏

وأوضحت أن مصر استجابت حتى الآن بحذر مع المبادرات التركية، ‏لأنه على الرغم من العناصر المؤيدة لـ “الصفقة الكبرى”، المحتملة ‏بين البلدين، ولا يزال هناك الكثير من المصالح المتضاربة، خاصة ‏فيما يتعلق بليبيا، فعلى المستوى العسكري، يمكن أن تقبل تركيا ‏انسحاب الآلاف من المرتزقة السوريين الذين ترعاهم تركيا من ‏ليبيا، مع الحفاظ على وجود عسكري دائم وفقًا لاتفاقية الدفاع ‏التركية الليبية لعام 2019، وهذا الموقف غير مقبول إطلاقا ‏بالنسبة للحكومة المصرية، التي لن تتراجع عن شرط خروج القوات ‏التركية والمرتزقة التابعين لها من البلاد.‏

وأرجعت سبب خوف القاهرة، إلى أن مصر تخشى من أن رعاية ‏أنقرة العسكرية لطرابلس إلى جانب الدعم التركي طويل الأمد ‏لجماعة الإخوان المسلمين، يمكن أن تخلق حكومة ذات توجه ‏إسلامي في طرابلس، وهذه مخاطرة لا يريد الرئيس المصري السيسي ‏خوضها، ولا حتى من أجل اتفاق عام مع أنقرة، لأنه يعتبر التنظيم ‏تهديدًا للأمن القومي، خاصة وأن الخوف الأمني لا يزال يهيمن على ‏عملية صنع القرار المصري بشأن ليبيا، لدرجة أن السياسة ‏الخارجية بشأن ليبيا تتشكل من قبل أجهزة المخابرات والأمن ‏الأقرب إلى السيسي، وليس من قبل وزارة الخارجية.‏

وأكدت أنه بالنسبة لمصر، يمكن لاتفاق مع تركيا أن يحافظ على ‏دور مصر العسكري والسياسي والاقتصادي في برقة، المنطقة ‏الساحلية الشرقية لليبيا، حيث تتمركز قوات حفتر، ويوفر فرصة ‏لتعزيز العلاقات الاقتصادية مع ليبيا، علاوة على ذلك، إذا تصرفت ‏القاهرة وأنقرة جنبًا إلى جنب، فسيكون لدى القاهرة وأنقرة قدرة ‏مشتركة على تحفيز حل سياسي في ليبيا شديدة الهشاشة، مع ‏حماية مصالحهما على الأرض، كما لم تثبت أي جهة فاعلة إقليمية ‏أو أوروبية أخرى أنها قادرة على القيام بذلك. ‏

وأتمت بقولها “هذه الفرصة يجب ألا تضيع بسبب انعدام الثقة ‏المتبادلة، لأنه في الواقع، يمكن أن تثبت ليبيا أنها سيناريو بناء الثقة ‏بين اللاعبين الإقليميين الرئيسيين، مما قد يؤدي في النهاية إلى ‏تحسين الاستراتيجيات الإقليمية لقضايا مثل الطاقة ومستقبل ‏سوريا”.‏

‏———
ليبيا برس