اللافي: الهاجس الأمني جعل أوروبا تعتقد أن التغاضي عن مساعي حفتر للسيطرة على ليبيا بالقوة قد يعود عليها باستقرار البلاد

استنكر وزير الدولة للاتصال والشؤون السياسية في حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة، وليد اللافي، عجز الحكومات المتعاقبة في ليبيا عن الانتقال من خانة متلقي المساعدات الإنسانية والفنية من الأوروبيين، إلى حالة التكامل الاقتصادي وبحث المشاريع الكبرى المتعلقة بالبنى التحتية والاستثمار والطاقة، ومشاريع الطاقة البديلة، مشيرًا أن ذلك بسبب الأوضاع التي شهدتها ليبيا خلال السنوات الماضية.

وأوضح اللافي، في مقال له عبر مدونته الرسمية، أن “حجم المساعدات التي أنفقها الاتحاد الأوروبي في ليبيا خلال السنوات من 2015م – 2020م بلغ قرابة 100 مليون يورو تركزت في مجالات الإغاثة ومساعدة المهاجرين غير النظاميين وبعض البرامج المتعلقة بدعم مشاريع ريادة الأعمال والحوكمة وحقوق الإنسان ودعم المرأة والشباب.

وأشار إلى أن تمكن 152 طالبًا وأستاذًا جامعيًا من السفر لأوروبا ضمن برامج ومنح أوروبية، في مقابل 9 من نظرائهم الأوروبيين، قد يفهم أنه عدم اهتمام أوروبي بإيفاد خبراء وتقنيين أصحاب خبرة يمكن أن يستفيد منهم قطاع التعليم العالي والتقني في ليبيا ربما بشكل أكثر فائدة للشباب الليبي بدلا من التوجس منهم واعتبار أغلبهم منخرطين في الحرب أو الأنشطة المصاحبة لها.

وفيما يخص سياسة الاتحاد الأوروبي تجاه ليبيا، قال اللافي، إن “مؤسسات الاتحاد الأوروبي لم تتوقف منذ سنة 2014م عن التصريح بمواقف رسمية داعمة لاستقرار ليبيا وحماية المسار السلمي للعملية السياسية بها”، لافتاً أن الواقع عكس ذلك فلم يتمكن الإتحاد الأوروبي من مساعدة الليبيين على تنفيذ هذه التطلعات.

وأكد أن حالة غياب السلطة المركزية الموحدة والقوية في ليبيا دفع دول فاعلة بالمنظومة الأوروبية مثل فرنسا وإيطاليا للتحرك بشكل منفرد للتعامل مع الأزمة الليبية لدرجة الانحياز لأطراف عسكرية فاعلة بالأزمة، مشيراً أن الأمر وصل لحد التدخل العسكري المحدود بالنسبة لفرنسا التي أعلنت وزارة الدفاع فيها سقوط مروحية ومقتل 3 جنود فرنسيين غرب مدينة بنغازي في يوليو 2016م، كما أعلنت وزارة الجيوش الفرنسية عن ملكية فرنسا لصواريخ “جافلين المضادة للدروع”، التي وجدت داخل أحد المواقع التي كانت تسيطر عليها قوات خليفة حفتر بمدينة غريان في يوليو 2020م.

وأضاف اللافي، أن إيطاليا سعت خلال السنوات السابقة هي الأخرى للتعامل بشكل مباشر مع عمداء بلديات ليبية مطلة على الساحل الليبي وأخرى بالجنوب الليبي من أجل التنسيق معهم للحد من عمليات الهجرة غير النظامية لأوروبا عبر ليبيا، بالإضافة إلى نشاط المخابرات الإيطالية في هذا الصدد، كذلك تنامى الضغط الإيطالي على الاتحاد الأوروبي من أجل تضامن أكبر من بروكسل وتحمل كل أعضاء الاتحاد لما تعتبره روما مسؤولياتهم الملحة في ملف الهجرة.

وأشار اللافي، أن التنافس بين روما وباريس تصاعد خلال السنوات الماضية في مجالي النفط والغاز، مع استمرار حالة الإنقسام السياسي في ليبيا وتجدد اندلاع الحروب، أطلق الاتحاد الأوروبي عملية صوفيا لمواجهة تدفق المهاجرين، وعملية إيريني البحرية للتفتيش عن الأسلحة المشحونة بحرا لليبيا بعد دخول تركيا على خط الأزمة الليبية، وواجهت هذه العملية انتقادات مالطا التي اعتبرتها متحيزة وتجاهلت تنفيذ عمليات المراقبة والتفتيش على تدفق الأسلحة لليبيا عبر حدودها البرية أو المطارات.

وشدد أن هذه التحركات الأوروبية كانت بشكل أو بآخر تنفذ بمعزل عن مشورة ليبيا أو التعاون معها وتجاهل السلطات الليبية المعترف بها دوليا، موضحا أن هذه الأمثلة تعكس تغير الأولويات بالنسبة للأوروبيين من العمل على عقد تفاهمات واتفاقيات استراتيجية مع ليبيا في مجالات الاقتصاد والطاقة والاستثمار، إلى التعامل بشكل مباشر مع الفاعلين في ليبيا على الأرض ولو كانوا خارجين عن سلطة الحكومة المعترف بها خلال السنوات الماضية وهي حكومة الوفاق الوطني المنتهيه ولايتها.

ويرى اللافي، أن التقييم الواقعي لهذا السلوك الأوروبي يمكن أن يفهم ولكن لا يمكن تبريره على المدى البعيد والمتوسط أو أن يتحول لسياسة أوروبية ثابتة، مردفاً بالقول: “كان يجب أن تدرك أوروبا منذ العام 2014 أن مصلحتها هي وجود سلطة مركزية وحكومة قوية تبسط سيطرتها على ليبيا، وألا تعتمد على أطراف مسلحة جهوية أو الأطراف المعرقلة لعمل السلطات الرسمية”.

كما أكد أن هذا التوجه لدى بعض الدول الأوروبية، أسهم بشكل أو بآخر بإضعاف فرص توحيد السلطة في ليبيا، وهذا لا يبرئ الليبيين أنفسهم من تهمة عجزهم عن توحيد بلادهم والتوافق حول حكومة واحدة قوية، إلا أن النتيجة اليوم هي تمكن روسيا من الدخول لساحة الأزمة الليبية بعد تشتت الموقف الأوروبي خلال السنوات الماضية وإطالة عمر الأزمة الليبية.

وأضاف اللافي، أن الهاجس الأمني شكل مخاوف للعواصم الفاعلة في أوروبا، وانعكس على السياسة الخارجية الأوروبية وجعلها تعتبر أن التغاضي عن مساعي خليفة حفتر للسيطرة على ليبيا بالقوة قد يعود عليها باستقرار ليبيا وتوحيد جميع الجماعات المسلحة تحت سيطرته إما طواعية أو بالقوة.

وبين اللافي أن هذا يمثل انقلاب للموقف الأوروبي سنة 2011م الذي اعتبر نظام العقيد معمر القذافي نظاما مستبدا وأن لليبيين الحق في نموذج ديمقراطي للحكم يتشارك القيم الديمقراطية التي ينادي بها ويدعمها الاتحاد الأوروبي، مؤكداً أنه بالرغم من ذلك لم تستقر ليبيا أمنيا ومشكلة الهجرة غير النظامية لا زالت قائمة، والجماعات الجهادية في إفريقيا وداخل ليبيا لا تزال تتعامل مع ليبيا كدولة فاشلة يمكن استخدام أراضيها في تمويل أنشطتها على أقل تقدير، خاصة بعد ضعف قوتها نتيجة تحرير قوات البنيان المرصوص لمدينة سرت من سيطرة “داعش” وكذلك الجهود الأمنية لقوة الردع الخاصة التابعة لحكومة الوحدة الوطنية المؤقتة ضد خلايا تنظيم الدولة، وكذلك مواجهة بعض العمليات الإرهابية التي استهدفت مقرات مؤسسات رسمية في طرابلس.

وبالإنتقال الى موقف ألمانيا تجاه ليبيا، يرى الافي، أنه كان أكثر تطورا خلال السنوات الثلاثة الماضية في ليبيا، ونشطت الدبلوماسية الألمانية من أجل تصحيح الموقف الأوروبي والعمل على تهدئة الأوضاع في ليبيا ومحاولة إيجاد تسوية سياسية شاملة تضمن توحيد السلطة في ليبيا والذهاب إلى انتخابات برلمانية ورئاسية تسهم في وقف محاولات أطراف ليبية الوصول إلى السلطة عن طريق العمل العسكري.

وأشار اللافي، أن مؤتمر برلين نجح فيما لم تتمكن مؤتمرات باريس وباليرمو من تحقيقه، مشيراً أن الموقف الألماني وتوجه الولايات المتحدة الأمريكية بعد تولي إدارة جو بادين الحكم في واشنطن يسعيان للحد من النشاط الروسي العسكري الذي وصل لحد السيطرة على قرار السلم والحرب في ليبيا والتواجد المعلن لقوات مرتزقة فاغنر الروسية بقواعد الجفرة وسط ليبيا وتمنهنت والشاطي بالجنوب الغربي للبلاد.

وأوضح أن هذا التحرك جاء استجابة لتنامي الشعور الأوروبي بالخطر الروسي المتمدد في ليبيا، والتزاما بالموقف الأمريكي المعلن بأن توحد أوروبا موقفها تجاه الأزمة الليبية، لافتاً أن هذا جعل من ليبيا مصدر تهديد استراتيجي على أمن أوروبا بعد أن كانت تمثل مصدر للفرص السانحة.

واكد اللافي أنه رغم كل هذا يأمل الليبيون أن يواصل الاتحاد الأوروبي دعمه للمجلس الرئاسي وحكومة الوحدة الوطنية لتتمكن من استكمال توحيد المؤسسات الرسمية السيادية والخدمية وكذلك المؤسسة العسكرية للوصول بليبيا إلى انتخابات نزيهة في ديسمبر 2021م.

وبالنسبة للتوتر الذي يشهده شرق المتوسط مع الجمهورية التركية، والتي تنشط فيها دول فرنسا واليونان وقبرص لدرجة رفع مستوى التوتر بينها وبين أنقرة، يرى اللافي، أن ليبيا وجدت نفسها أمام قضية جديدة انقسمت حولها الأطراف الليبية مجددا، بسبب الاتفاقيتين البحرية والأمنية التي وقعتها حكومة الوفاق المنتهية ولايتها مع الجانب التركي.

وأضاف أنه أصبح هناك ضغط أوروبي على ليبيا للتخلي عن مكاسب ضمنها لها ترسيم الحدود البحرية، ووفقا للاتفاق السياسي الليبي الجديد فإن أطرافه على استعداد لمراجعة كافة الاتفاقيات الأمنية التي انضمت لها ليبيا خلال السنوات الماضية، على أن تقوم بالمراجعة وتقرير مصير هذه الاتفاقات السلطة المنتخبة القادمة في ليبيا، مشيراً أنه كلما ازداد الضغط الأوروبي لحرمان ليبيا من حقوقها في الحدود البحرية المرسمة الآن، وتجاهل الحوار الشامل مع ليبيا في هذه المسألة فإن الاتحاد الأوروبي قد يدفع أطراف ليبية فاعلة للتمسك أكثر بالاتفاق الذي يتماهى مع مصالح ليبيا الاقتصادية خاصة في ظل الضعف الذي تعانيه خلال السنوات الماضية.

وأكد الافي، أن ضمان المصالح الليبية وعدم تجاهلها هو المدخل المجدي لحل الجزء المتعلق بليبيا في مسألة النزاع شرق المتوسط.

وعن علاقة ليبيا مع أوروبا، يرى الافي أنها كان مؤسسة قبل الثورة الليبية سنة 2011م، على مبادئ أيدلوجية مشككة في دوافع الغرب ومتحفظة على قيم الديمقراطية الغربية والثقافية الأوروبية، كما تميزت بعدم ثباتها وتغيرها وفقا لمعطيات داخلية هي أيضا لم تكن مبنية على أسس متينة وكانت جميع السياسات الداخلية والخارجية تتأثر بشكل مباشر برؤية العقيد معمر القذافي ومواقفه، بالإضافة إلى عدم قدرة الدبلوماسية الليبية ممثلة في وزارة الخارجية على أن تقدم نفسها داخليا وخارجيا كمؤسسة دبلوماسية تقدم لمتخذ القرار رؤى رصينة وتحليلات عميقة لمصالح ليبيا الاستراتيجية وترسم خارطة مصالحها الجيوسياسية والاقتصادية.

وأضاف أن هذا الواقع لم يتغير في بعض جوانبه بعد تغيير النظام في ليبيا، فخلال فترة الانقسام السياسي والحروب بعد سنة 2014م، وسيطرة حكومتين على ليبيا، وتحولت أطراف الأزمة الليبية إلى حالة من التنافس على عقد تفاهمات مع دول أعضاء بالاتحاد الأوروبي لتأمين مصالحها المتعلقة بملفات الهجرة غير النظامية والطاقة والأمن ومكافحة الإرهاب.

وتابع بقوله: “الحكومات المتعاقبة في ليبيا لم تتمكن بطبيعة الحال من السيطرة على الأوضاع الداخلية حتى تنتقل لمستوى التحرك في الملفات الخارجية، ولكن الواقع والأحداث تؤكد أن المساران متوازيان ولا يمكن فصلهما عن بعض”.

واستطرد قائلاً: “على سبيل المثال تراجع النفوذ الليبي على منطقة الساحل والصحراء والذي أسست ليبيا يوم 4 فبراير 1998م تجمع الساحل والصحراء الذي مكنها من التحرك بشكل فعال ضمن عمقها الإقليمي باتجاه أفريقيا، وبعد أحداث 11 سبتمبر 2001م، تمكنت ليبيا من خلال أجهزتها الأمنية على لعب دور حيوي في ملف الإرهاب بشمال إفريقيا ومنطقة الساحل والصحراء وغرب إفريقيا، لدرجة تطور التنسيق الاستخباراتي مع الولايات المتحدة ودول أوروبية”.

وأكد اللافي أن دور ليبيا اليوم انحسر في مكافحة الإرهاب إلى المدن الساحلية، وانقسمت رؤية واستراتيجية أطراف الأزمة الليبية حول تعريف الإرهاب وتصنيف المجموعات المتورطة بأعمال إرهابية، وهذا الإنقسام ميز مواقف دول فاعلة داخل الاتحاد الأوروبي، وعلى أساس هذه التقييمات كان لها مواقف سياسية متماهية معه.

وشدد على أن ليبيا في حاجه لإدراك أهمية الجانب الأمني والاستخباراتي في بناء علاقة قوية مع الأوروبيين، ولذلك فإن توحيد وتفعيل الأجهزة الأمنية في ليبيا أصبح ضرورة ملحة، لافتا إلى أن ملف الهجرة غير النظامية هو إحدى الأولويات التي تحتاج ليبيا إلى مأسسة التعامل معه، بالشكل الذي يعتمد على بيانات دقيقة لأعدادهم وتواجدهم غير المنضبط والمنظم في كافة مناطق ليبيا، خاصة وأن جلهم يعمل بدون تراخيص ولا يمكن تتبع مسارات تنقلهم بين المدن.

ويرى اللافي أنه إذا تمكنت السلطات الليبية من ضبط الحدود ومتابعة تجمعات المهاجرين داخل ليبيا، يمكنها الانتقال من موقع شرطي الحدود العامل لصالح أوروبا، إلى موقع المتحكم في هذا الملف بما يؤهلها لتوقيع اتفاقيات مرتبطة بإعادة هؤلاء المهاجرين بالكيفية التي تضمن حقوقهم الإنسانية وبما لا يهدد ديموغرافية مناطق محددة في الجنوب الليبي، مؤكداً أن تدفقات المهاجرين أصبحت تشكل تهديدا للأمن القومي الليبي، خاصة بعد تورط جماعات قوية من المعارضة التشادية والسودانية في الحروب التي شهدتها ليبيا خلال السنوات الماضية.

وأشار أن إدارة ملف الهجرة غير النظامية من خلال سلطة موحدة في ليبيا هو أكثر جدوى للأوروبيين من تدخل بعض الدول بشكل مباشر مع فاعلين على الأرض لمساعدتهم في منع دخول المهاجرين لليبيا أو إعادتهم قبل وصولهم بحرا لجنوب أوروبا.

وأضاف أن اتباع السلطات في ليبيا نهج البحث العلمي واعتمادها على بيانات ودراسات متواصلة تحدد مصالح ليبيا المشتركة مع الاتحاد الأوروبي، من أنسب الطرق لمأسسة السياسة الخارجية والانتقال بها إلى مستوى أكثر فاعلية خاصة في ظل حكومة موحدة تصل للسلطة عبر انتخابات حرة ونزيهة.

وأوضح أن مبادرة الليبيين لهذا التحرك هو الحل الوحيد أمامهم وعليهم أن يدركو أنه لا يمكن لأطراف المنظومة الدولية أن تدافع عن مصالح الليبيين أكثر من دفاعهم عن حقوقهم ووحدة أراضيهم، وتأمين مصالحهم الاقتصادية.

واختتم اللافي بالتأكيد على أن الفرصة الوحيدة لاستمرار وحدة التراب الليبي وإرساء السلام هي رفضهم للقوة العسكرية للوصول إلى السلطة، وتوحيد قرارهم السياسي في مواجهة التحديات التي تواجه ليبيا، بالإضافة إلى تفهم مصالح أطراف المنظومة الدولية في ليبيا ومحيطها الإقليمي بشكل يضمن لجميع الأطراف بناء تكامل اقتصادي تستفيد منه جميع الأطراف وتتقاسم من خلاله القيم الديمقراطية الرافضة للاستبداد.

———

ليبيا برس