باحث أمريكي: من غير المرجح أن تكون انتخابات ديسمبر المُقبل في ليبيا نزيهة وشفافة
أفاد الباحث الأمريكي والزميل في برنامج الشرق الأوسط في مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي، فريدريك ويري، بأنه من أجل استقرار ليبيا، ينبغي على الدبلوماسية الأمريكية الجديدة، أن تجبر خليفة حفتر على تقاسم السلطة فعليا.
وأشار وير في مقالة نشرتها مؤسسة “كارنيجي للسلام الدولي”، إلى أنه من أجل تشكيل آفاق المحادثات والتوحيد بين القوات الشرقية والغربية، يجب على الولايات المتحدة أن تحث روسيا ومصر والإمارات العربية المتحدة، الداعمون الأجانب القدامى لعائلة حفتر على قمة التسلسل الهرمي لعملية الكرامة، لبدء التخطيط للانتقال، إلى القوات المسلحة الليبية بقيادة شخصية أو تحالف آخر، ويكون أكثر قبولًا سياسيًا للجماعات والنخب المسلحة في غرب ليبيا.
ولفت إلى أن هذا الأمر سيأتي خاصة وأنه سقط العديد من القتلى في هذه الفصائل بسبب هجوم حفتر المفاجئ على طرابلس في أبريل 2019 على وجه التحديد، بينما كانت المحادثات التي توسطت فيها الأمم المتحدة جارية؛ وبالنسبة للكثيرين منهم، فإن قبول حفتر في أي ترتيب لتقاسم السلطة سيكون بمثابة انتحار سياسي، والأهم من ذلك، أن حفتر لم يُظهر مرارًا وتكرارًا أي اهتمام حقيقي بتقاسم السلطة فعليًا، وفي الحقيقة يجب أن تهدده واشنطن بالتنصل من أي دعم له كشريك في مكافحة الإرهاب.
وقال الباحث الأمريكي إن التقدم السياسي الأخير في ليبيا لا يزال غير مؤكدا، لكنه توقع أن يتحسن كثيرا خلال الفترة المقبلة، بسبب الدعم الأمريكي المتواضع، والذي قد يساهم في إنجاح الانتخابات المقبلة في 24 ديسمبر.
ولفت ويري، أنه بعد سنوات من القتال والاضطراب، قد يكون لليبيا مرة أخرى انفتاح ضعيف على مستقبل أكثر استقرارًا، حيث يعد مؤتمر برلين الثاني حول ليبيا، علامة فارقة مهمة على طريق ليبيا للخروج من سنوات الحرب الأهلية والجمود السياسي، حيث ركزت المحادثات الدولية، التي دعت إليها الحكومة الألمانية والأمم المتحدة، على تنفيذ شروط اتفاق السلام الذي تفاوضت عليه الأمم المتحدة والذي تم التوصل إليه العام الماضي من ملتقى الحوار السياسي.
وأشار إلى أن هناك سببا لمحدودية التفاؤل، خاصة وأنه على عكس مؤتمر برلين الأول في يناير 2020، ليبيا ليست في حالة حرب مفتوحة، ولقد استخدمت الأطراف الخارجية تكتيكيًا من التدخل العسكري العلني إلى المناورة وراء الكواليس، خاصة وأنه على النقيض من تأييد الرئيس السابق دونالد ترامب لخليفة حفتر وداعميه الأجانب، فإن الولايات المتحدة في عهد الرئيس جو بايدن تُظهر قيادة أكثر مبدئية ومنصفة، لكن كل الاحتمالات لا تزال قائمة، وخطر تجدد الصراع لا يزال مرتفعا.
وتحدث المحلل الأمريكي عن أن الأزمة ليست في الانتخابات فحسب، لأن مخاطر البداية الزائفة الأخرى بعيدة كل البعد عن النقاش، فالتاريخ الحديث لليبيا منذ اغتيال العقيد معمر القذافي عام 2011 مليء بأمثلة على العمليات السياسية المدعومة دوليًا، والتي أدت إما إلى زيادة الاستقطاب أو الانهيار في الحرب، مضيفا بقوله: “يمكن أن نأخذ بعين الاعتبار انتخابات يوليو 2012 للمؤتمر الوطني العام، وانتخابات 2014 لمجلس النواب، والاتفاق السياسي الذي توسطت فيها الأمم المتحدة لعام 2015 في مدينة الصخيرات المغربية، والتي كان من يفترض منها إنهاء جولة سابقة من الحرب الأهلية ولكن في الحقيقة أنتجت فقط فترة فراغ سياسي كبيرة.
وتحدث عن أن التركيز الدولي على الانتخابات كعلاج للانقسامات الليبية وإرجاء النخب الليبية وداعميهم الأجانب، لإصلاح قطاع الأمن الشامل لصالح التدريب الثنائي يخفي صراعًا يلوح في الأفق على الأسبقية من خلال معارضة الجماعات المسلحة، حيث يمكن أن تتصاعد التوترات والصراعات الداخلية بين الجماعات المسلحة في غرب ليبيا، ناهيك عن التنافس المستمر بين هذه الجماعات وقوات حفتر التي تتخذ من شرق ليبيا مقراً لها، حيث يتلقى العناصر من كلا الجانبين تمويلًا حكوميًا من ثروة ليبيا النفطية.
وأشار إلى أنه من غير المرجح أن تكون انتخابات ديسمبر، المزمع إجراؤها في البلاد إذا حدثت نزيهة وشفافة في جميع أنحاء البلاد، نظرًا لانعدام الأمن على نطاق واسع، وبالمثل، فإن الأنماط القائمة منذ فترة طويلة من المحسوبية، والتي ظهرت في الانتخابات السابقة، ستخلق فائزين وخاسرين جدد بين النخب السياسية والجماعات المسلحة في البلاد، مع تشكيل تحالفات جديدة من الأخيرة لعرقلة المرحلة الانتقالية بعد الانتخابات أو الأسوأ ، بدء حرب جديدة.
وانتقل بالحديث إلى أنه بالنظر إلى هذه المخاطر، تحتاج الولايات المتحدة وبقية المجتمع الدولي إلى تكريس المزيد من الاهتمام للمساعدة في رعاية خارطة طريق مفصلة وقابلة للتنفيذ ومملوكة محليًا لقطاع الأمن الليبي، من أجل إدارة فترة الانتخابات المشحونة وتجنب ما بعد الانتخابات المقبلة، خاصة وأن عدم الاستقرار، ساهم فيه الإغفال السابق لمثل هذه المتابعة الدولية في معالجة “تهديد الميليشيات”.
وذكر أنه سبق وحذر من الأمر ذاته في مقال نشرته مجلة ”فورين أفيرز”، بعد الانتخابات التشريعية التي جرت في البلاد في ذلك الوقت في عام 2012، في تسييس الجماعات المسلحة الليبية، ومكّنها من المشاركة في أنشطة إنسانية واسعة النطاق، وانتهاكات حقوق الإنسان، وأدت إلى حرب أهلية في 2014.
ولفت إلى أن الولايات المتحدة لديها حاليًا نافذة لدبلوماسية أمريكية قوية، ولتجنب تكرار الإخفاقات السابقة، أشار إلى أن الولايات المتحدة، تحتاج إلى العمل مع شركائها في أوروبا والأمم المتحدة، في تعديل الأوضاع الراهنة لإصلاح قطاع الأمن بعد الانتخابات في ليبيا مع إضفاء الطابع المؤسسي على المبادئ الحاكمة للرقابة المدنية المنتخبة والمساءلة واحترام حقوق الإنسان وسيادة القانون.
وتطرق إلى أن وجود سلطة تنفيذية موحدة شرط مسبق ضروري، لكن هناك مبادرات أخرى على المسار الأمني يمكن أن تحدث بالتوازي، مؤكدا أن غياب هذه الخطوات، حتى لو لم تؤد إلى حرب أخرى، سيؤدي بالتأكيد إلى دفع البلاد نحو تقسيم فعلي.
وقال المحلل الأمريكي إن الخطوة الأولى تتمثل في استمرار خفض التصعيد ونزع السلاح داخل منطقة الجبهة الأمامية في ليبيا، على طول محور سرت-الجفرة.
وأضاف بقوله إنه قد تؤدي المشاركة الدبلوماسية الأمريكية الأكبر مع روسيا وتركيا إلى إعادة انتشار مسؤولة على مراحل وانسحاب لقواتهما في نهاية المطاف بطريقة لن تؤدي إلى تجدد القتال من قبل الليبيين.
واستدرك قائلاً إنه بالمثل، فإن استمرار دعم الولايات المتحدة لفض الاشتباك وتنفيذ وقف إطلاق النار تحت رعاية ضباط الجيش الليبي من المعسكرين المتنافسين في اللجنة العسكرية المشتركة “5+5″، يمكن أن يكون بمثابة آلية مفيدة لبناء الثقة.
وألمح إلى أن كل هذا الجهد، على الرغم من أهميته، لن يكون بمثابة أساس لهيكل أمني موحد لليبيا، خاصة وأن المفوضية لا تتحدث عن عدد كبير من الجماعات المسلحة في جميع أنحاء البلاد، ويجب بناء هذا الأساس من خلال نهج أوسع يشمل الحكومة بأكملها للأمن الذي يركز على الإنسان على المستوى المحلي، وهو نهج يتضمن تمكين المجتمع المدني، ودعم مقدمي الأمن الرسميين مثل الشرطة البلدية، وإصلاح نظام العدالة المعطل في البلاد”.
وطالب المحلل الأمريكي بالتوازي مع ذلك، أن تضاعف الولايات المتحدة جهودها التكنوقراطية والدبلوماسية طويلة الأمد لإصلاح وتوحيد القطاع المصرفي الليبي، ووقف سرقة أموال الدولة من قبل الجماعات المسلحة، وكما فعلت في الماضي في المساعدة في عزل قطاع النفط، من الخلافات بين الفصائل، فهذه الجهود مهمة بشكل خاص لتقليل قوة الجماعات المسلحة الأكثر نهبًا التي تسيطر على العاصمة وحولها وكذلك قوات حفتر.
وانتقل بالحديث إلى وصفه بالحاجة لخطوات متواضعة من أجل مستقبل ليبيا، بقوله إنه تعتمد العديد من هذه الإجراءات الأمريكية على قيام بايدن بجعل ليبيا أولوية أكبر في السياسة الخارجية، ومتابعة اتفاقيات مؤتمر برلين الثاني، وتجنب إغراء تحويل انتباه الولايات المتحدة بعيدًا عن ليبيا، خاصة عندما يتم إجراء انتخابات، وهو ما من شأنه أن يعني تكرار خطأ أوباما بفك الارتباط بعد الانتخابات التشريعية لعام 2012.
وأردف: “هذا لا يعني أن الولايات المتحدة ستمتلك ليبيا، إذا جاز التعبير، خاصة وأنه يتحمل الليبيون المسؤولية في نهاية المطاف عن إيجاد طريقة للخروج من مأزقهم، وبالنظر إلى قربهم، يمكن للقادة الأوروبيين ويجب عليهم فعل المزيد”.
وأتم قائلاً: “لكن حتى الاستثمار الأمريكي المتواضع، الذي يشير إليه الاتصال الشخصي المستمر من قبل الدبلوماسيين الأمريكيين مع القيادة السياسية الجديدة في ليبيا والمجتمع المدني النشط والمحاصر في البلاد، يمكن أن يحدث فرقًا لافتا إلى أن هذا يتطلب بشكل فعال عملاً آخر طال انتظاره من الإرادة الأمريكية في ليبيا، وهو أمر سمحت به الظروف الأمنية أخيرًا، ألا وهو إعادة فتح السفارة الأمريكية في طرابلس، والتي كانت مغلقة منذ أكثر من نصف عقد”.
———
ليبيا برس