اتهمت منظمة العفو الدولية، جهاز الأمن الداخلي، أحد أقوى العناصر المسلحة في شرق ليبيا، بارتكاب انتهاكات مروعة لحقوق الإنسان لإسكات منتقديه ومعارضيه، بما في ذلك عمليات الاحتجاز القسري والتعذيب.
وطالبت العفو الدولية، في تقرير لها، حكومة الوحدة المؤقتة، بضرورة عدم إضفاء الشرعية على المليشيات والجماعات المسلحة المسؤولة عن الانتهاكات المروعة لحقوق الإنسان، داعية أيضًا إلى عدم مكافأة هذه الميليشيات ومنحها رواتب.
وكشف التقرير، أن مجلس النواب يراجع حاليًا إمكانية تخصيص أموال لتلك المليشيات والعناصر المسلحة التي لها تاريخ من الانتهاكات، بما في ذلك قوات الأمن الداخلي، في موازنة حكومة الوحدة للعام الجاري.
وذكرت المنظمة الحقوقية، أن عدد من ضباط الأمن السابقون في عهد النظام السابق، ظهروا في السنوات الأخيرة ضمن عناصر مسلحة يطلق عليها جهاز الأمن الداخلي، ضمن القوات الموالية لخليفة حفتر.
ونقل التقرير، عن مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية هبة مورايف، قولها إن “الجماعات المسلحة التابعة لجهاز الأمن الداخلي رحبت بضباط في عهد النظام السابق، وأعادت أساليب القمع الوحشية”، متابعة: أن “تلك الجماعات اختطفت وعذبت وأخفت المئات قسرًا على أساس انتماءاتهم القبلية، أو انتقاما لآرائهم بهدف واضح، ألا وهو سحق أي انتقاد لمن هم في السلطة في شرق ليبيا”.
واستمرت بقولها “وبدلا من دمج الجماعات المسلحة المشتبه في ارتكابها جرائم بموجب القانون الدولي في مؤسسات الدولة، ومحاولة تأمين ولائها أو تحقيق مكاسب سياسية من خلال منحها دعما ماليًا، يجب على حكومة الوحدة المؤقتة، وأولئك الذين لديهم سيطرة بحكم الأمر الواقع على الأراضي، اتخاذ خطوات لمحاسبة الجناة، ويجب أن تنطوي أي محاولات لإدماج أفراد المليشيات”.
وشددت مورايف على ضرورة اتخاذ حكومة الوحدة المؤقتة وقوات حفتر، خطوات فورية، للضغط من أجل إطلاق سراح جميع المحتجزين لمجرد التعبير عن وجهات نظر انتقادية، أو بسبب انتماءاتهم القبلية”، مردفة “إنه لأمر مشين، فبدلاً من السعي لتحقيق المساءلة ووضع حد لدوامة الانتهاكات من قبل جهاز الأمن الداخلي، فإن السلطات الليبية مرة أخرى تضفي الشرعية وتسترضي المليشيات والجماعات المسلحة غير الخاضعة للمساءلة”.
ولفتت العفو الدولية أنها أجرت مقابلات مع 15 شخصًا، بينهم معتقلون سابقون وعائلات ضحايا ونشطاء ومحامون، ووجدت أن مجموعات مسلحة تابعة لجهاز الأمن الداخلي في مدن بنغازي والمرج وأجدابيا ودرنة وسرت استهدفت أفرادًا على أساس انتماءاتهم القبلية، فضلاً عن نشطاء وصحفيين ومنتقدين لقوات عملية الكرامة، والجماعات المسلحة التابعة لها، الذين عانوا من انتهاكات في عامي 2020م و2021م.
ووجدت منظمة العفو الدولية، أن مُسلحين ينتمون إلى جهاز الأمن الداخلي اعتقلوا رجالا ونساء وأطفالا من منازلهم أو شوارعهم أو أماكن عامة أخرى، من دون أمر قضائي، وأحيانا يعصبون أعينهم أو يغطون وجوههم بالكامل، ويعتدون عليهم بدنياً أثناء اختطافهم.
وتابعت: أن أولئك الذين تم اعتقالهم احتُجزوا في مواقع خاضعة لسيطرة جهاز الأمن الداخلي من دون السماح لهم بالوصول إلى المحامين وتلقي زيارات من العائلات لفترات طويلة، في ظروف ترقى إلى الاختفاء القسري، وتسهل التعذيب وغيره من دروب المعاملة السيئة، مشيرة إلى أنه منذ 2014م، قام عناصر جهاز الأمن الداخلي باختطاف المئات عبر مناطق تقع تحت سيطرة قوات خليفة حفتر.
وقالت العفو الدولية، إن جميع من قابلتهم أكدوا أن أفراد جهاز الأمن الداخلي ضربوهم وعذبوهم بأشياء من بينها أعقاب البنادق وأنابيب المياه “التوبو”، وهددوهم بالإعدام والعنف الجنسي والاحتجاز إلى أجل غير مسمى، واستخدام العنف ضد أفراد عائلاتهم، من أجل انتزاع المعلومات أو الاعترافات منهم.
وأشارت إلى أن “محتجزون سابقون أكدوا أنهم احتجزوا في زنزانات قذرة ومكتظة وعديمة التهوية، وأعُطي لهم طعاماً محدوداً، وأجبروا على العمل القسري”.
ونقل التقرير أيضا عن أحد الأشخاص، قائلا إنه “في منتصف 2020م من قبل إحدى الجماعات التابعة للأمن الداخلي، بعد أن نشر تعليقاً على وسائل التواصل الاجتماعي ينتقد الإجراءات المتخذة لمكافحة انتشار وباء فيروس كورونا المستجد، اتهموه بـ”الزندقة”، ودعم الإخوان المسلمين، واعتدوا عليه بالضرب بالأسلحة النارية وأنابيب المياه”.
ووجدت المنظمة روايات مماثلة في أجدابيا، من عدة أفراد من قبيلة المغاربة عن تعرضهم للتعذيب على يد جهاز الأمن الداخلي بسبب انتمائهم القبلي المزعوم إلى إبراهيم الجضران، القائد السابق لحرس المنشآت النفطية، وفحصت منظمة العفو الدولية صورًا تُظهر جسد رجل عليه علامات تتسق مع روايته عن كيفية تعرضه للضرب، على أيدي عناصر جهاز الأمن الداخلي – أجدابيا، بأنابيب المياه وتقييد ساقه بسلك شائك.
ولفت التقرير إلى أن النساء تعاني أيضًا من الاختطاف قسرا والاعتداءات الجسدية، بسبب معارضتهم لخليفة حفتر، مشيرًا إلى أن عناصر جهاز الأمن الداخلي في بنغازي اختطفوا في 25 مارس 2021م حنين العبدلي، ابنة المحامية حنان البرعصي التي تعرضت للاغتيال، واحتجزوها حتى 28 يونيو 2021م بسبب دعواتها العلنية للمساءلة عن مقتل والدتها.
وأكدت أنه في النهاية تم إحالة المئات ممن تم احتجازهم من جهاز الأمن الداخلي إلى محاكمات عسكرية في أنحاء شرق ليبيا، وأطلق سراح آخرين بدون تهمة بعد إجبارهم على التوقيع على تعهدات بدعم حفتر، والجماعات المسلحة التابعة له، بما في ذلك على وسائل التواصل، أو بالامتناع عن مغادرة مناطق معينة.
وتطرقت إلى أن أعضاء جهاز الأمن الداخلي حافظوا أيضاً على سيطرتهم على شرق ليبيا، من خلال مضايقة وترهيب المعارضين السياسيين ومعارضي قوات حفتر، والنشطاء المؤيدين للديمقراطية والمدافعين عن حقوق الإنسان، من خلال التهديد بالمكالمات الهاتفية والاستدعاء للاستجواب، وتحذيرهم من الاحتجاز المطول أو التعذيب أو حتى القتل إذا استمروا في نشاطهم.
ونقلت المنظمة عن محتجزين سابقين، ونشطاء، قولهم إنه “نتيجة لذلك وبسبب الخوف من الانتقام، امتنعوا عن ممارسة حقهم في حرية التعبير علانية، أو أرادوا مغادرة شرق ليبيا”.
كما أظهرت العفو الدولية أيضا استدعاء جهاز الأمن الداخلي في أجدابيا للناشط ومدير فرع الهلال الأحمر بأجدابيا، منصور عاطي، عدة مرات في الأشهر قبل اختطافه في 3 يونيو 2021م، على أيدي مسلحين مجهولين، ولا يزال مصيره ومكان وجوده مجهولين.
وختم التقرير بالإشارة إلى تخصيص الميزانية الأخيرة المعدلة في 3 أغسطس، أموالا للمليشيات والجماعات المسلحة، بالإضافة إلى مليشيات وغير خاضعة للمساءلة، وتخضع اسمياً لسيطرة حكومة الوحدة المؤقتة، لافتة تخصيص 260 مليون دينار لجهاز الأمن الداخلي و2.5 مليار دينار لقوات عملية الكرامة، و146 مليون دينار لجهاز الردع، تحت قيادة عبد الرؤوف كاره، و40 مليون دينار لجهاز دعم الاستقرار بقيادة عبد الغني الككلي، المعروف باسم غنيوة، و35 مليون دينار لجهاز الأمن العام والتمركزات الأمنية بقيادة عماد الطرابلسي.
———
ليبيا برس