خبيرة أممية: البعثة الأممية في ليبيا ورقة مساومة بين الأعضاء الدائمين بمجلس الأمن والليبيون هم الضحية

رأت أماندا كادليك، العضو السابق في لجنة خبراء مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بشأن ليبيا، أن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، انتهك قواعد مجلس الأمن في ديسمبر الماضي عندما عيّن منفردًا ستيفاني ويليامز، كمستشار خاص لليبيا بعد أن منعت روسيا مفاوضًا مخضرمًا للأمم المتحدة ومواطنًا بريطانيًا، هو نيكولاس كاي من شغل منصب المبعوث.

وقالت، في مقال لها بصحيفة “نيو لاينز” الأمريكية، إن 5 أعضاء فقط في مجلس الأمن لديهم حق “الفيتو” وهذا ما يعني أن أولوياتهم تكون دائما للنزاعات والملفات الكبرى مثل ليبيا.

وأشارت إلى أن غوتيريش كانت حذرًا بشأن احتمال قيام أعضاء مجلس الأمن بمنع أو تعطيل دور ويليامز، فقط بسبب تمثيل بلادها في مجلس الأمن، فيما أوقفت روسيا تجديد عمليات بعثة الأمم المتحدة بأكملها في ليبيا لإجبار غوتيريش على الإطاحة بويليامز وترشيح أي شخص آخر غير ممثل دولة منافسة.

وقالت إن الأعضاء الدائمين الذين يتمتعون بحق النقض (الفيتو) الصين، وفرنسا، وروسيا، والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة، يختلفون دائمًا بشأن المسائل الحاسمة واتفقوا على القليل في ليبيا منذ عام 2011، وأصبح حظر التعيينات والقرارات المتعلقة بالمهام الحاسمة أداة شائعة الآن للعب على مستوى العالم.

وأضافت أن الدبلوماسية الدولية غالبًا ما تنحصر في الاهتمامات المحلية لحفنة من أقوى دول العالم، وأن الأهداف المتنافسة في بكين أو لندن أو موسكو أو باريس أو واشنطن تلون كل قرار يتخذه مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بشأن المواقف والأحداث في أماكن بعيدة.

وأكدت أن ليبيا أحد الأمثلة على التلاعب الدولي في عصر المنافسة العالمية الجديد اليوم، موضحة أن عواقب قرارات مجلس الأمن لليبيا غالبًا ما تعرض مشاكل أكثر من الحلول، وهذه الأخيرة هي الهدف الأساسي لمهمتها المعلنة المتمثلة في “الحفاظ على السلم والأمن الدوليين.

وقالت إنه عندما شن خليفة حفتر هجومه على طرابلس في 4 أبريل 2019، كانت قد بدأت للتو فترة رئاستها الأولى في فريق خبراء مجلس الأمن المعني بليبيا، وهي هيئة تقصي الحقائق المستقلة المكلفة بالتحقيق في الانتهاكات، وفي هذا الدور، شاهدت الحوار في رسائل البريد الإلكتروني بشأن مشاريع القرارات، بما في ذلك الاعتراضات على أبسط نقاط الصياغة واستخدام اللغة.

وألمحت إلى أن بعض الضمائر أو الظروف، مثل “تعارض بشدة” مقارنةً بـ “يعارض” فقط، نقاطًا يجب تسويتها، ومع ذلك، قد تكون هذه الديناميكية متوقعة في مؤسسة دولية منقسمة تتخذ قرارات حول بلد يكون فيه اللاعبون الرئيسيون المعنيون متضاربين في المصالح، كما يسلط الضوء على التعقيد المتأصل للهيئة التي تتخذ القرارات بشأن مستقبل بلد النزاع بينما يعمل بها أشخاص تشارك حكوماتهم بنشاط في هذا الصراع.

وأشارت إلى أن هجوم أبريل 2019 على العاصمة كان بمثابة صدمة للكثيرين، لاسيما في اليوم النادر الذي كان فيه غوتيريش في المدينة لحضور مؤتمر سلام، وفي غضون أسبوع، حاولت المملكة المتحدة – حامل القلم المخصص لملف ليبيا في ذلك الوقت- تقديم رد موحد من مجلس الأمن على هجوم حفتر، حتى لو كان ذلك لأسباب إنسانية فقط.

وقالت إن هذا الجهد حصل على دعم واسع النطاق في البداية، لكن الولايات المتحدة، على الرغم من عدم معارضتها لروح الإجراء، وجهت انتقادات وشكوكًا في نهاية المطاف لطلبها مزيدًا من الوقت لاتخاذ موقف، فيما لم تعارض فرنسا أيضًا قرارًا متزامنًا في نظام الاتحاد الأوروبي على أساس فرضية مماثلة، لكنها أعاقت ذلك.

ونوهت بأنه تم تأجيل قرار مباشر، مصمم لغرض شجب عمل عدواني والدعوة إلى وقف الأعمال العدائية، بسبب الفشل في التوصل إلى توافق في الآراء.

وقالت إن القدرة على تمرير القرارات تعتمد إلى حد كبير على من يقترحها، والقضية والمكان المعني، وتوقيت وحساب ما تعتقد أقوى الدول أنها قد تكسبه أو تخسره منها، مؤكدة أن مجلس الأمن هو الأعضاء الخمسة الدائمون.

وأضافت أنه بشكل عام، تستشير كل دولة وكالاتها ومؤسساتها الحكومية المختلفة، ووزارتي الخارجية والدفاع، وأذرع الاستخبارات للتوصل إلى قرار بشأن تبني قرار ما والمضي قدمًا به، وهذا هو الحال في النزاعات مثل القضايا المتعلقة بليبيا، حيث كان للدول الخمس الكبرى مصالح متباينة مثل الهجرة وموارد الطاقة والتجارة، وكان الجميع يتنافسون وراء الكواليس على النفوذ.

وبينت أن أحد الأمثلة على ذلك هو قرار عام 2011 بتدخل الناتو في ليبيا والذي امتنعت الصين وروسيا عن دعمه في أوقات مختلفة، وتبين لاحقًا أنه يستند إلى أدلة محدودة على أي تهديد وشيك.

وقالت إن الأمر الأكثر أهمية، مع ذلك، هو أن القدرة على تقديم مسودة تتركز بشكل كبير بين المملكة المتحدة والولايات المتحدة وفرنسا، هؤلاء الأعضاء الثلاثة الدائمون والحلفاء الاستراتيجيون يعيّنون أنفسهم كـ”دول حاملة للقلم” تطرح مسودات معظم القرارات في مجلس الأمن.

وأوضحت أنه بالنسبة لليبيا، فإن المملكة المتحدة هي الوحيدة التي “احتفظت بالقلم” من عام 2011 حتى وقت لاحق في عام 2019 عندما طلبت ألمانيا، في ذلك الوقت أيضًا رئيس لجنة عقوبات ليبيا، دورًا مشتركًا وتم منحها.

وأضافت: “ما أعرفه من خلال تجربتي المباشرة هو أن قرارات الدول التي تترأس مجلس الأمن تؤثر بشكل مباشر على حياة البشر بطرق لا رجوع فيها”.

وبيّنت أن دورها المكلفة به في اللجنة كان تغطية الجزء الغربي من ليبيا، حيث تركز الجزء الأكبر من القتال في حرب 2019-2020 وحيث كان استغلال المهاجرين وإساءة معاملتهم أكثر وضوحًا.

وأضافت “تم تكليفي بالكشف عن انتهاكات حقوق الإنسان وحوادث العنف القائم على النوع الاجتماعي، كان الجزء الأفضل من عملي هو الاقتراب وكسب ثقة ضحايا الرجال والنساء الذين تعرضوا للتعذيب أو الاغتصاب وكذلك أولئك الذين شهدوا مذابح أو اختفاء أبنائهم قسراً، لقد سجلت قصصهم لغرض بناء ملفات قضايا موضوعية عن الجناة المحتملين، لكنني استوعبت الدمار الذي لحق بحياتهم في هذه العملية”.

وقالت إنه بالنسبة للعديد من المراقبين الليبيين الذين علموا بمشروع القرار الذي تقوده المملكة المتحدة شفهياً أو قرأوا عنه في الصحافة، كان الاتفاق بالإجماع على المضي في التصويت واعتماده أمرًا لا يحتاج إلى تفكير.

وأضافت أن الأعضاء الخمسة الدائمين وجهوا اللوم بالإجماع والصخب إلى هجوم حفتر، وكان من الممكن أن يغيروا تصوره وحساباته وكذلك مسار الحرب المحتمل.

ورأت أن المناورات التي لا نهاية لها من قبل الأعضاء الدائمين لا علاقة لها في كثير من الأحيان باحتياجات بلد معين، والذي يتحدد مستقبله في كثير من الأحيان من خلال نزوات تنافسية، وبدلاً من ذلك، فإن الأهداف الضيقة لكل منها داخل تلك البيئة التنافسية والعلاقات الدبلوماسية فيما بينها هي في كثير من الأحيان الدوافع الأساسية لقراراتهم.

وأشارت إلى أنه لعقود من الزمان، كان هناك الكثير من المقترحات لإصلاح مجلس الأمن، بينما يعود الأمر في النهاية إلى الدول الخمس الكبرى لتتولى زمام المبادرة، وهذا يعني أن الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وروسيا والصين ستحتاج إلى التخلي طواعية عن السلطة.

وأضافت أن الإصلاح الحقيقي قد يعني ألا تكون أي من القوى العظمى الممثلة في الدول الخمس دائمة العضوية قادرة على التلاعب بعمليات الأمم المتحدة لتحقيق مكاسب خاصة بها على حساب الدول الأضعف، كما أنه خلال السنوات القليلة الماضية، أصبحت الدعوات إلى مجلس أمن أكثر نشاطا وتمثيلا من داخل الجمعية العامة أعلى صوتا، لكن كان هناك القليل من الإجراءات.

وتطرقت إلى الانتخابات الليبية قائلة إنها أُلغيت وسط بيئة سياسية فوضوية وغير مستقرة إلى حد كبير، كما ظهر وجود بعثة الأمم المتحدة كورقة مساومة بين الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن.

وأضافت أنه على الرغم من أن الدور البديل لمستشارة الأمم المتحدة من قبل ممثل الولايات المتحدة كان أفضل من لا شيء، إلا أنه كان بمثابة حل مؤقت يفشل في معالجة المشكلة الأساسية التي ظهرت مرة أخرى بعد شهر واحد فقط، والتي تعرض للخطر بشكل أكبر قابلية البعثة ومصداقيتها.

ورأت أنه إذا أصبح التصويت للموافقة على إجراء روتيني مثل تعيين ممثل خاص أداة لسياسة القوة الدولية، فإن الضحية الحقيقية في هذه العملية هم الليبيون الذين يستحقون أفضل من الأمم المتحدة.

واختتمت بالتأكيد على أنه إذا كان مجلس الأمن قد ضل طريقه بالتأكيد، فربما حان الوقت للحكومات الممثلة في الهيئة الأممية للنظر في مراجعة صارخة للطريقة التي يمارس بها أعماله، أو إعادة صياغة بيان مهمته.

———
ليبيا برس