أسوشيتدبرس: التطورات الأخيرة في ليبيا أبعدت سيف الإسلام رغم شعبيته الواضحة لأنه لا يحظى بولاء كافٍ من المسلحين

سلطت وكالة “أسوشيتدبرس” الأمريكية، الضوء على الأزمة التي تشهدها ليبيا منذ تكليف فتحي باشاغا، بتشكيل حكومة جديدة، في ظل عدم اعتراف رئيس حكومة الوحدة المؤقتة عبد الحميد الدبيبة، بالإجراءات التي اتخذها البرلمان، ورفضه تسليم السلطة إلا لحكومة منتخبة، محذرة من أن ليبيا تبدو وكأنها تتراجع نحو الفتنة والانقسام.

وقالت “أسوشيتدبرس”، في تقرير لها، إن ليبيا قبل عام، بدت وكأنها تسير على طريق هش نحو الديمقراطية، بعد أكثر من عقد من الحرب الأهلية، والآن، يبدو أنها تتراجع نحو الانقسام، وهي على بعد خطوات مبدئية نحو الوحدة، حيث يتم تقسيم البلاد مرة أخرى، بوجود رئيسي وزراء متنافسين يطالبان بالسلطة.

وأشار إلى أن أولى بوادر المشكلة الخطيرة ظهرت في أواخر العام الماضي، عندما تم تأجيل الانتخابات الرئاسية التي كان مقررا إجراؤها في 24 ديسمبر إلى أجل غير مسمى، لافتة إلى أن سبب التأخير كان الخلاف حول المرشحين والقواعد الأساسية لإجراء الانتخابات.

وبينت أن مجلس النواب، كلف وزير الداخلية السابق، فتحي باشاغا، لتشكيل حكومة جديدة، ضمن خارطة طريق تنتهي بإجراء الانتخابات في غضون 14 شهرا، فيما رفض الدبيبة التنحي، ويصمم على البقاء في السلطة لحين إجراء الانتخابات.

وبحسب التقرير، فإن العديد من المراقبين، يعتقدون أن العودة إلى الحكومات الموازية باتت وشيكة، مع احتمال تجدد القتال، مشيرا إلى أن الصراع دمر ليبيا منذ الإطاحة بالنظام السابق في الأحداث التي دعمها حلف شمال الأطلسي، وانتهت باغتيال العقيد معمر القذافي في 2011.

وأوضح أن ليبيا عانت من الانقسام لسنوات بسبب وجود إدارات متناحرة في الشرق والغرب، وتدعم كل منها ميليشيات وحكومات أجنبية.

وبين أنه تم إحباط محاولات المجتمع الدولي للمساعدة في توحيد البلاد حيث رفضت الأطراف الليبية القوية وداعموها الأجانب تقديم تنازلات، وتم تأجيل الانتخابات بعد الإخفاق في التوصل إلى توافق بشأن قوانين الانتخابات وشروط الترشح.

ونوه بأن عددا من مبعوثي الأمم المتحدة إلى ليبيا غادروا مناصبهم وهم محبطون مما وصفه بـ”عدم رغبة الأطراف الليبية في التنازل عن السلطة والأموال المتراكمة خلال الحرب”.

ونقل عن الخبير في شؤون ليبيا في معهد أبحاث SWP في برلين، ولفرام لاتشر، قوله إن باشاغا والدبيبة يحاولان تصوير الوضع على أنه صراع بين الشرعي وغير الشرعي، موضحا “في الواقع، إنه صراع بين طرفين يسعى كلاهما إلى ممارسة السلطة إلى أجل غير مسمى ودون محاسبة”.

وتطرق التقرير إلى تسليط الضوء على اللاعبين الأساسيين في ليبيا، كاشفا عن جذور كل من باشاغا والدبيبة، موضحا أنهما ينحدران من مدينة مصراتة، حيث كانت الميليشيات المسلحة تسليحا جيدا حاسمة في القتال المدعوم من الولايات المتحدة ضد تنظيم الدولة الإسلامية في عام 2016، ومؤخرا في صد هجوم عام 2019 على طرابلس من قبل قوات خليفة حفتر، بحسب التقرير.

ولفت إلى أن باشاغا، 59 عاما، طيار سابق في سلاح الجو ورجل أعمال، وشغل منصب وزير الداخلية في حكومة الوفاق المنتهية ولايتها من 2018 حتى مارس 2021، عندما تشكلت حكومة الوحدة المؤقتة.

واعتبر أن باشاغا واحد من أقوى الشخصيات في غرب ليبيا، وأقام علاقات مع تركيا وفرنسا والولايات المتحدة، وأيضًا مع مصر وروسيا، خصومه الاسميين خلال الهجوم على طرابلس، بحسب تعبيره.

وأضاف أن باشاغا سعى لرئاسة الحكومة الانتقالية، لكنه تعرض للهزيمة من قبل الدبيبة في عملية قادتها الأمم المتحدة وشابتها مزاعم بالفساد، وكان يعتزم أيضا الترشح للرئاسة، في تنافس ضم حفتر والدبيبة وسيف الإسلام، قبل إلغاء سباق ديسمبر.

وعن الدبيبة، بين أنه حاصل على شهادة جامعية في الهندسة من كندا، وأنه مبتدئ سياسيا نسبيًا، ويعتمد على ثروة قريبه، علي الدبيبة، أحد أكبر أغنياء ليبيا، والذي كان سياسيًا في عهد القذافي.

وأوضح أن الدبيبة تحالف مع ميليشيا قوية تعرف باسم كتائب مصراتة، بعد أحداث 2011، وأنه استحضر بعض الأعداء السياسيين كرئيس للحكومة الانتقالية، حيث كان قد تعهد بعدم الترشح للرئاسة، لكنه تراجع بعد ذلك عن وعده وأعلن ترشحه، مما أدى إلى نفور بعض أقوى مؤيديه، مضيفا أنه كان على خلاف مع رئيس البرلمان القوي عقيلة صالح وأيضا خليفة حفتر.

وأشار إلى أن حفتر كان ضابطا كبيرا في عهد القذافي لكنه انشق في الثمانينيات خلال الحرب الليبية مع تشاد، وأمضى بعد ذلك أكثر من عقدين في واشنطن، مضيفا “يُعتقد على نطاق واسع أنه عمل خلالها مع وكالة المخابرات المركزية”.

وتابع بأن حفتر عاد وانضم إلى ما أسماها “انتفاضة 2011 ضد القذافي”، وفي عام 2014، قاتلت قواته المتطرفين والفصائل المتناحرة الأخرى في شرق وجنوب ليبيا، بينما يسيطر الآن على شرق ليبيا وجزء كبير من الجنوب، بما في ذلك حقول ومحطات النفط الحيوية.

واستطرد موضحا أنه في أبريل 2019، حاول غزو طرابلس بحملته عسكرية استمرت 14 شهرًا لكنه فشل، مما أدى إلى وقف إطلاق النار بوساطة الأمم المتحدة والمحادثات السياسية التي شكلت حكومة الدبيبة المؤقتة.

ونوه بأن حفتر، الذي يحمل الجنسيتين الأمريكية والليبية، يحظى بدعم مصر والإمارات العربية المتحدة، فضلاً عن فرنسا وروسيا، بينما يتلقى خصومه دعما رئيسيا من تركيا وقطر.

وأضاف أن حفتر أعلن ترشحه للرئاسة، بانيًا حملته الانتخابية على قدرته على إحلال الأمن والاستقرار في المناطق التي يسيطر عليها، فيما يتهمه خصومه بالسعي لإقامة حكم استبدادي.

ولفت إلى أن حفتر رحب بتعيين باشاغا، وشكل معه تحالفا ضد الدبيبة، مضيفا “لكن مثل هذه الشراكة قد تكون مكلفة لرئيس الوزراء المعين”.

ونقل عن الباحث الليبي، جليل حرشاوي، قوله إن ذلك سيعقد على الأرجح جهوده لإنفاذ القانون وإصلاح قطاع الأمن، موضحا أن باشاغا يواجه أيضا تحديات أخرى، حيث يحتاج إلى إيجاد طريقة للعمل مع محافظ مصرف ليبيا المركزي الصديق الكبير، الذي أعلن مؤخرًا عن خطوات نحو توحيد فرعيه في الشرق والغرب.

ولفت إلى أن المصرف المركزي هو مستودع لمليارات الدولارات سنويا حصيلة عائدات النفط الضخمة في ليبيا، فضلا عن الاحتياطيات الأجنبية.

وأكد أن مصدر القلق الكبير بالنسبة لباشاغا هو انعدام الثقة العميق بحفتر، والذي يشاركه فيه الكثيرون في الغرب، ناقلا عن حرشاوي، قوله “قد تتفاقم الأزمة إذا لم يتم التعامل مع هذه الأسئلة بلباقة”.

وتطرق إلى ظهور سيف الإسلام القذافي بعد سنوات من الاختباء، وذلك في منتصف نوفمبر الماضي، للإعلان عن ترشحه للرئاسة، وهو الأمر الذي أحدث موجات من الصدمة في جميع أنحاء ليبيا”، بحسب التقرير.

وقال إن سيف القذافي أُطلق سراحه من سجن تديره الميليشيات في عام 2017، لكنه لا يزال مطلوبًا من قبل المحكمة الجنائية الدولية بتهم ارتكاب جرائم ضد الإنسانية خلال أحداث 2011، بحسب التقرير.

ورأى أن سيف الإسلام صمم ببطء عملية عودته السياسية، مستفيدًا من الخلل الذي خلقته الحرب، وأنه يعتمد إلى حد كبير على صلاته بالقبائل في جميع أنحاء البلاد، ويتصالح مع الميليشيات التي كانت في السابق ألد أعدائه، مضيفا “أثبت ترشحه أنه تهديد كافٍ لتوحيد الفصائل المتنافسة ضده”.

ونقل عن حرشاوي قوله إن التطورات الأخيرة أبعدت سيف الإسلام على الرغم من شعبيته الواضحة، لأنه لا يحظى بولاء كافٍ من المسلحين، وأضاف: “يتم تجاهل رأي الجمهور إلى حد كبير، والعملية الانتخابية في وضع سيئ للغاية”.
—-
ليبيا برس