بوشناف يكشف تفاصيل أحداث “القنصلية الإيطالية” 2006

كشف مستشار الأمن القومي، إبراهيم بوشناف، تفاصيل “أحداث القنصلية الإيطالية” يوم 17 فبراير عام 2006، عندما كان يشغل منصب رئيس نيابة شمال بنغازي.

وقال بوشناف في تدوينة عبر حسابه على موقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك”: “كان يوم جمعة وكانت مسيرة سلمية تستعد للانطلاق احتجاجا على الرسوم المسيئة للرسول وتصريحات أحد وزراء الحكومة الإيطالية الداعم للرسام، وكان الإذن الممنوح من الأجهزة الأمنية يحدد مكان التجمع أمام ميناء بنغازي البحري والانطلاق حتى ميدان الكاتدرائية وإلقاء بيان المسيرة”.

وأردف بقوله “ضابط تنفيذ خطة تأمين المسيرة العميد إبريك العبار، اجتمع مع بعض قادة المسيرة لتحويل مسارها لتنطلق من أمام ضريح شيخ الشهداء عمر المختار إلى الكاتدرائية، والغرض كان الوصول إلى مقر القنصلية الإيطالية بشارع عمرو بن العاص، وعرض العميد العبار الأمر على الغرفة الأمنية فتمت الموافقة”.

واستمر بقوله “العبار طلب تعزيز الأمن في مسار المسيرة ومحيط القنصلية، وتحول الأمر بعدها إلى مظاهرة غاضبة، ووصل المتظاهرون إلى القنصلية، وكان العدد كبيرًا ويتزايد باستمرار، حاول أحدهم إنزال العلم الإيطالي، تصدى له أحد رجال الأمن وأصابه في مقتل”.

واستدرك قائلا “بدأت المواجهات الحادة بين رجال الأمن والمتظاهرين وسقط عدد من القتلى، وهاتفني عضو النيابة المناوب مبلغا بما حدث، وانتقلت في ذات الوقت إلى مكان الواقعة مصطحبا مصور للتوثيق، وجدنا المواجهات مستمرة، عدد من ضباط جهاز الأمن الخارجي حاولوا إخراج القنصل من الباب الخلفي، غير أنه رفض وطلب حمايته وحماية مبنى القنصلية”.

وذكر كذلك أنه “كان عدد من المتظاهرين يحاولون اقتحامها بالقوة وقوات الأمن تتصدى لهم مما زاد من عدد القتلى، وطلبنا من الضباط الحاضرين إيقاف الرماية، وباشرنا توثيق ما حدث، ثم انتقلنا لمعاينة القتلى والمصابين، والتحق بنا المستشار جمعة بوزيد المحامي العام وأشرف على التحقيق”.

وتطرق إلى أنه عُدنا إلى مقر النيابة العامة وباشرنا التحقيق بعد توثيق عدد القتلى والمصابين وتكليف الطبيب الشرعي بإعداد تقاريره بعد الكشف عليهم، وبدأ التحقيق بضباط الميدان وضابط تنفيذ الخطة وقررنا حبسهم جميعا، ثم رئيس جهاز الدعم المركزي بنغازي وتقرر حبسه”.

ولفت إلى أنهم لاحظوا أن “أدوات مكافحة الشغب لم تستعمل، إما لأن بها عيبًا كسيارة تفريق المتظاهرين بالمياه الساخنة، وتبين أن قنابل الغاز المسيل للدموع كانت منتهية الصلاحية، وإما لنقص التدريب على استعمال باقي الأدوات مثل الهراوات والدروع، وطلبنا في ذات الليلة كشفا بالأسلحة والذخائر التي صرفت لتأمين المسيرة، وتبين أن فرع الدعم المركزي قد زاد 900 إطلاقة بندقية كلاشنكوف من الرصاص الحي”.

ومضى بقوله “عند الساعة الرابعة صباحا وصل المستشار محمد المصراتي النائب العام حينها، وكنا نباشر التحقيق منذ اليوم السابق، وأطلعنا النائب العام على ما تم من تحقيقات واثنى عليها، ثم التحق بنا مدير مكتب النائب العام واضطلع كل منهم بجزء من التحقيق”.

ونوه إلى أنه “قبل اكتمال الساعة الثامنة صباحا كانت أمانة مؤتمر الشعب العام واللجنة الشعبية العامة قد وصلوا جميعا إلى بنغازي، وشمل التحقيق رؤساء فروع الأجهزة الأمنية في بنغازي وتقرر حبسهم جميعا حتى أحيل الجميع إلى المحكمة المختصة محبوسين”.

وأوضح أنهم انتقلوا مرة أخرى إلى مكان الواقعة في اليوم التالي فوجدوا عددا من المتظاهرين مازالوا يحاولون اقتحام مبنى القنصلية وقوات الأمن مستمرة في حمايته، مضيفا “حضر حينها العميد صالح رجب رئيس جهاز الأمن الداخلي، وتحدث مع المتظاهرين واستجاب لطلبهم سحب قوات الأمن بعد أن تحقق أن المبنى خال تماما”.

وأسهب بقوله “تحول الأمر في الساعات التالية إلى احتجاجات في كل أنحاء المدينة وأحرقت بعض المقار الحكومية ومنها مراكز شرطة ومحكمة ونيابة جنوب بنغازي، وحاول البعض حرق مقر محكمة ونيابة شمال بنغازي ونحن نباشر التحقيق داخلها، سقط عدد آخر من القتلى في الأيام التالية نتيجة للتداعيات الناشئة عن الحدث”.

وانتقل للحديث بقوله “زاد الاضطراب الأمني حدة ولم تتمكن قوات الأمن من السيطرة على الوضع، كان الجيش بعيدا عن الحدث ولم يتدخل الا بعد عدة أيام، والجيش تدخل بعد أن عجزت الأجهزة الأمنية عن استرداد السيطرة الأمنية بل وتهددت مقراتها وهوجمت أكثر من مرة”.

وشدد على أن وحدات القوات الخاصة تولت مقاليد الأمور وبدأ الهدوء يعود تدريجيا للمدينة، وكان هناك جدل بيننا وبين الجهات الرسمية عن توقيت دفن الشهداء، وبعض الجهات رأت ألا تأمر النيابة العامة بدفن الجثامين في يوم واحد حتى لا يحدث اضطراب يزيد من سوء الوضع.

وأتبع بقوله “جهات أخرى رأت العكس وأن يشدد الأمن ويتم الدفن في يوم واحد، وانتهينا من إجراءات الطب الشرعي وأصدرنا أمر الدفن للجميع، وأرسلنا شهادات الوفاة موقعة إلى مستشفى الجلاء، بعد أن أبلغنا الجميع أن النيابة العامة ليس من شأنها تحديد وقت الدفن ولا كيفيته.”

واستمر قائلا “كان عدد الشهداء تسعة عشر شهيدا، وتواصلت التحقيقات في الحدث الأساس وتداعياته، وتعددت الآراء بين من يطلب إخلاء سبيل من تم حبسهم من المواطنين الذين ارتكبوا أفعالا مجرمة لاحتواء الغضب الشعبي المتزايد”.

أكد أن البعض رأى أن الدولة لابد أن تظهر قوتها خاصة وأنه قد ظهرت شعارات ماسة بالنظام بل وأكثر من ذلك، مشيرا إلى أنه “استغل البعض حالة فقدان السيطرة وحرض مجموعات من الشباب على مهاجمة المقرات الحكومية وسجن الكويفية.

وتطرق إلى أن التحقيقات اتخذت مسارين “الأول يتعلق بوقائع القتل والإيذاء وما سبقهما من محاولة الدخول إلى القنصلية عنوة، والثاني كان عن كيفية الانحراف بالمسيرة السلمية وتحويل مسارها، وكان التحقيق يجري بمكتبنا بنيابة شمال بنغازي ويتواصل ليلا ونهارًا، واستغرق التحقيق ثلاثة أسابيع، وتم حبس جميع رؤساء فروع الأجهزة الأمنية وضباط الميدان الذين أصدروا الأوامر باستعمال الرصاص الحي”.

وتحدث عن أن ذلك “لم يشمل الأمر من قاموا بالرماية لوجود سبب إباحة يعفي من ينفذ أمرا يمنعه القانون من مناقشته وينقل المسؤولية إلى مُصدر الأمر، وانتقلنا عقب ذلك إلى مكتب النائب العام بمدينة طرابلس لمولاة التحقيق والتصرف، واستدعينا المغفور له نصر المبروك أمين اللجنة الشعبية العامة للأمن العام، حققنا معه مطولا ولعدة ساعات”.

وتحدث عن دفاع المبروك بقوله “ارتكز دفاعه على حداثة تكليفه بالمنصب، وأن خلل توريد معدات مكافحة الشغب ونقص التدريب عليها يسأل عنها سابقيه، ونفى إصداره أمر استعمال السلاح وعلل ذلك بأن ضباط الميدان تعاملوا وفقا لقواعد استعمال السلاح”.

وأتم بقولها “وجهنا له الاتهام وفقا لما أسفر عنه التحقيق وأفرجنا عنه بشرط التردد على مكتب النائب العام ثلاثة أيام في الأسبوع، ونقلت القضية بعد ذلك إلى المحكمة التخصصية وانتهى دورنا فيها”.
———–
ليبيا برس