مستشار أممي سابق: فشل الانتخابات الليبية نتيجة متوقعة للتلاعب القانوني والدستوري والسياسي

قال عمر حمادي، المستشار الخاص بالشؤون السياسية والدستورية السابقة بالبعثة الأممية في ليبيا، إن فشل الانتخابات الليبية في 24 ديسمبر الماضية، نتيجة متوقعة لما وصفه بـ”التلاعب القانوني والدستوري والسياسي” الذي يتم ممارسته منذ سنوات طويلة في البلاد.

وقال حمادي في مقال عبر صحيفة “فورين بوليسي” الأمريكية إن العملية السياسية الليبية حاليًا محاصرة بمسألتين مترابطتين، وهما “الخلافات حول فكرة إجراء انتخابات رئاسية في السياق الحالي، والفشل الناتج عن عدم التوصل لإجماع مطلوب حول إطار تلك الانتخابات”.

وحذر من أنه من المرجح أن يؤدي انهيار هذه العملية إلى التفكك السياسي، بما في ذلك ظهور حكومات متنافسة والعودة لخطر حقيقي بالتصعيد العسكري، بدلا من أن تغرس الانتخابات مؤسسات شرعية موحدة وتخلص البلاد من المجال المتنافسة حاليا.

وألمح إلى أن أزمة العملية السياسية الحالية، ترجع إلى محاولات التغلب على أزمة ما بعد انتخابات 2014، والتي أسفرت عن مطالبات متنافسة للشرعية من قبل مجلسين هما “مجلس النواب”، و”المؤتمر الوطني العام”.

وتحدث عن الانتخابات الرئاسية الليبية، وقال إنها كانت مثيرة للجدل منذ عام 2011، عندما تم الإطاحة بمعمر القذافي، حيث تم استبعادها من قبل الهيئات التشريعية في 2012 و2013، قبل الانتخابات التشريعية في 2014، خاصة وأن “معسكر فبراير”، يخشى من أن انتخاب رئيس للبلاد في تلك الفترة يمكن يحكم مسبقا على طبيعة النظام السياسي الذي ينبغي أن يؤسسه الدستور الدائم للبلاد، مضيفًا: “في حقيقة الأمر، كانوا يخشون من وجود رئيس قوي على دولة ضعيفة يمكن أن يمهد الطريق للحكم الاستبدادي من جديد”.

وأتبع بقوله: “عندما تم تبني إطار انتخابات 24 ديسمبر، عادت تلك القضية للظهور مرة أخرى، حيث دار النقاش والخلاف حول نقطتين رئيسيتين، هما؛ ما إذا كان ينبغي للبلد إجراء انتخابات رئاسية على الإطلاق، وإذا كان الأمر كذلك ، فمن الذي يمكنه الترشح للانتخابات”.

وفند السؤال الأول بقوله: “اعتقد كل من عقيلة صالح وفتحي باشاغا أن لديهما فرصة كبيرة للفوز بالانتخابات الرئاسية، لذلك أصروا على انها الطريقة الوحيدة التي يمكن من خلالها حكم البلاد بشكل فعال، وروج أنصار النظام السابق لفكرة الانتخابات، معتقدين أن مرشحهم سيف الإسلام القذافي لديه فرصة جيدة للفوز”.

ومضى بقوله: “لكن معسكر فبراير كرر معارضته للانتخابات الرئاسية قبل وضع دستور دائم، لرفضهم ترشح حفتر وسيف الإسلام، معتبرين إياهما مجرمين مدانين وهاربين من العدالة”.

وانتقل للإجابة عن السؤال الثاني قائلاً: “مع كون حفتر ضابطًا عسكريًا في الخدمة الفعلية ومواطنًا أمريكيًا، أصر أنصاره على ضرورة تعديل شروط الأهلية وفقًا لذلك، كانت القوانين الليبية العادية تحظره بالفعل على كلا الأساسين، وبالمثل، أصر أنصار النظام السابق على أن التمتع بالحقوق السياسية والإجراءات الجنائية دون الحكم القضائي النهائي لا ينبغي أن يكون شرطًا للأهلية”.

واستدرك بقوله “حالت هذه الخلافات دون اتفاق ملتقى الحوار السياسي على قاعدة انتخابية، وامتنع المبعوث الأممي عن تقديم أي مقترحات تقريبية، حيث بدا المجتمع الدولي يائسا من تحقيق ذلك الأمر، وكان على جدول أعماله أمر واحد فقط، وهو إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية متزامنة في 24 ديسمبر بأي طريقة”.

وتحدث عن أن عقيلة صالح استغل اليأس الدولي وأصدر من جانب واحد قوانين للانتخابات الرئاسية، تضمنت تخفيف لمعايير الأهلية للسماح للعسكريين وحاملي الجنسية المزدوجة للترشح للانتخابات.

وقال إن دعم المجتمع الدولي لتلك القوانين، التي انتهكت الاتفاق السياسي الليبي، بحسب وصفه، أضعفت مكانة المجتمع الدولي وسلطة الإطار المعتمد دوليا، وحرم العملية السياسية من مصدر موثوق يمكن الرجوع إليه في حالة حدوث نزاع.

وأكد أن سبب تفجير الوضع عمليات الترشح للانتخابات، خاصة بعد ترشح الدبيبة، الذي كان قد وقع بالفعل تعهد بعدم الترشح للانتخابات، وسيف الإسلام الذي صدر بحقه أوامر توقيف من المحاكم الليبية والمحكمة الجنائية الدولية، أدى لرفض قرارات المحاكم التي أيدت ترشحهما للانتخابات، ما فرض حالة “القوة القاهرة” التي حالت دون إجراء الانتخابات.

وفسر لماذا كان فشل الانتخابات متوقعًا، محددا عدة عوامل لذلك، أولها من وجهة نظره: “هناك إطار عمل وضعه الاتفاق السياسي الليبي، ومنح المجلسين حق الطعن على الانتخابات التي ستؤدي إلى زوالهما، وعدم تحرك ملتقى الحوار السياسي لمعالجة هذا الأمر، وعدم اتباع طرق بديلة للأمر”.

وأشار إلى أن ثاني تلك العوامل كانت “الاستعجال في إجراء انتخابات إشكالية، وتظهر الدروس المستفادة من التجارب المقارنة، بما في ذلك العراق وأفغانستان وأنغولا في عام 1992 وليبيريا في عام 1997 وجنوب السودان منذ عام 2010، أن الانتخابات المبكرة في مجتمعات ما بعد الصراع تنطوي على مخاطر استئناف الصراع، خاصة وأن ليبيا كان لا يزال بها ثلاثة جيوش أجنبية و 10 مجموعات مرتزقة أجنبية تعمل على أراضيها بالإضافة إلى مجموعات إرهابية ومليشيات محلية لا حصر لها، كما لا يمكن لرئيس وزرائها الحالي زيارة أجزاء كبيرة من البلاد، ولم يتم بعد توحيد مؤسسات الدولة المهمة، وهذا يشير إلى عدم وجود بيئة مواتية للانتخابات بعد”.

وفند ثالث تلك العوامل بأنها: “إهمال عدد من العناصر التي كان من المفترض أن تساعد في بناء تلك البيئة المواتية مثل المصالحة الوطنية واللامركزية وتوحيد مؤسسات الدولة أو تم التعامل معها في أفضل الأحوال على أنها قضايا فنية ثانوية. لم يكن مجرد تحديد موعد انتخابي مؤكدًا كافيًا لتهيئة البيئة اللازمة بمفرده”.

وحدد رابع العوامل بأنه: “نصت خارطة الطريق على تاريخين متعارضين مع بعضهما البعض، وهما تاريخ انتخابات 24 ديسمبر، ومرحلة تحضيرية مدتها 18 شهرا تنتهي بالانتخابات، أي أن تاريخ 24 ديسمبر، كان مرتجلا وغير متزامنا مع تاريخ 24 ديسمبر، بالإضافة إلى تعارض نسختي خارطة الطريق باللغة العربية مع نسختها باللغة الإنجليزية، وهو ما تسبب في سوء التفاهم بين الليبيين وشركائهم الدوليين”.

وذكر أن خامس تلك العوامل وآخرها، هو أن: “السوابق التي تم إقرارها أثناء اختيار السلطة التنفيذية في فبراير 2021 كانت قاتلة، ثم سُمح للأفراد العسكريين العاملين، وحتى القضاة، بالترشح، في انتهاك للقوانين الليبية، ما أدى ذلك إلى إضعاف قواعد الأهلية وحرمان العملية من السوابق القوية المتجذرة في القانون والممارسات الليبية”.

وواصل مقاله قائلا: “خلاصة القول، الاندفاع لإجراء انتخابات على أساس إطار قانوني متنازع عليه قوض مكانة وسلطة الإطار الحاكم للعملية ، بما في ذلك قرارات مجلس الأمن، كما أنها شكلت سوابق سيئة للقوانين التي أصدرها فرد واحد، وقوضت مصداقية مفوضية الانتخابات”.

وأسهب قائلا: “يعكس فشل الانتخابات مخاوف وجودية بين العديد من الدوائر الانتخابية وهو تذكير بأن الانتخابات في ليبيا بحاجة إلى المساهمة في العملية السلمية والنتيجة – بدلاً من أن يتم التعامل معها كهدف نهائي بحد ذاتها، ويجب أن يتم تأطيرها بطريقة غير استقطابية وأن تتكشف في بيئة مواتية، حيث تعتبر الجداول الزمنية مهمة ولكنها تحتاج إلى التدفق من التقييمات الشاملة القائمة على السياق، وإنهم لا يجرون العملية بأنفسهم، ولا يمكنهم أن يكونوا بديلاً عن وساطة موثوقة ومقبولة”.

وأتم بقوله “مع استمرار ليبيا في مسارها التنازلي مع ظهور الحكومات المتنافسة ومخاطر التصعيد العسكري، يجب أن تركز الوساطة الدولية على الحفاظ على توحيد مؤسسات البلاد وبناء البيئة لانتخابات متفق عليها ومُعدة جيدًا”.

——–
ليبيا برس